الباحثون عن عمل بين كرة الحكومة وملعب القطاع الخاص

 

مسعود الحمداني

 

السلطنة تُواجه أزمة حقيقية في التوظيف، آلاف الباحثين عن عمل، مقابل وظائف قليلة ومحدودة جدا في القطاعين العام والخاص، الحكومة ترمي كرتها على الشركات والمؤسسات الخاصة، والشركات ترميها في ملعب الحكومة، والضحية في الحالتين المواطن الباحث عن أمل ومستقبل ووظيفة.

هذا الوضع يتفاقَم يومًا عن يوم، ويُنذر بتفجُّر القضية وتضخُّم كرة الثلج؛ وبالتالي زيادة حجم الباحثين عن عمل كل عام، إذا لم يُوجِد المعنيون الحلول القاطعة لها، ويتركوا الحلول والمسكنات الوقتية التي تُعيدنا إلى المربع الأول؛ وذلك يعنِي التصدِّي للأزمة بحكمة وشجاعة وشفافية أكبر، فالقطاع الخاص (الذي يتسم بالضعف في معظمه) لا يستطيع وحده مواجهة الأمر، وهو غير قادر على توظيف كل هذه الأعداد من الطلاب والخريجين، خاصة مع قطاع محلي محدود القدرة المالية والبشرية والاستيعاب، وقطاع حكومي متخم ومتضخم وعاجز عن التوظيف، لذلك فالحل يكمن في توفير الفرص الذاتية للأفراد، وتشجيعهم، وإيجاد جو استثماريّ صحيّ وسهل ومرن وغير معقد، يتيح لهؤلاء الباحثين تأسيس شركاتهم الخاصة، وتشكيل مستقبلهم بأنفسهم.

الحقيقة أنَّ الأمر ليس بهذه السهولة، ولا بهذه المثالية؛ فالسلطنة ذات عدد سكاني قليل لا يتجاوز المليونين ونصف المليون مواطن، موزعين على أكثر قليلا من ثلاثمائة ألف كيلو متر مربع، منهم من هم دون سن العمل، ومنهم العجزة وغير القادرين على الشغل، فالسوق المحلي ضيق وصغير للغاية، وذو كثافة سكانية قليلة في معظم الولايات والمحافظات، إلى جانب وجود عمالة وافدة عديمة أو قليلة المهارة، وذات قدرة شرائية محدودة جدا، بينما في المقابل تتركز معظم استثمارات الوافدين في تجارة المواد الغذائية والمجمعات الاستهلاكية، وهذا يعني أن ملايين الريالات تتجه للخارج يوميا، بينما تتم "محاربة" كل تاجر عماني بسيط لا يرتبط بـ:لوبي) التوريد الآسيوي المتحكم في رقاب السوق، وهذا أمر يعاني منه الكثيرون ممن جرّبوا تجارة المنتجات الاستهلاكية، وعانوا من تداعياتها.

وإذا أرادتْ الحكومة البدء بجدية في البحث عن فرص عمل لمواطنيها، فعليها أولا (تفتيت) هذه اللوبيات الآسيوية؛ وذلك بإلزامها بتعمين الإدارات العليا (فعليًّا وليس شكليا) في مشاريعها، مع حفظ حقوق المستثمرين الأجانب بالطبع، كما أنَّ عليها مراقبة السوق العماني بجدية وصرامة، ومعرفة جوانب الإخفاقات التي تعترضه، هذا إلى جانب تبسيط الإجراءات التجارية وليس كما هو حاصل حاليا، وتسهيل سير المعاملات في منظومة من التشريعات التي تتحكم فيها جهة وحيدة معنية بالتشغيل والتوظيف تحت أعين جهاز رقابي قويّ وفاعل.

هذا في الجانب النظري، أما الجانب التطبيقي، فيمكن للحكومة أن تقيم مشاريع أو جمعيات تعاونية يُديرها شباب عمانيون بإشراف وتمويل حكومي؛ مما سيفتح آفاقا رحبة للشباب وينهي سيطرة واحتكار الأجنبي على السوق الاستهلاكي، كما يُمكن للحكومة تشجيع الشباب العماني للاستثمار في الجانب الزراعي؛ وذلك من خلال مشاريع في مجالات الاستزراع السمكي... وغيرها من المشاريع الحيوانية والزراعية، بتمويل وإشراف حكومي وإدارة عمانية من الباحثين عن العمل، (هناك مشاريع في الجانب الزراعي والسمكي حاليا، ولكن معظم المستفيدين منها هم التجار المستثمرون وليس الباحثين عن عمل)، إلى جانب تمويل وإشراف الحكومة على مشاريع في مجال الطاقة وغيرها من المشاريع تُدار بواسطة العمانيين الخريجين والمتخصصين والمؤهلين، والتي يمكن أن تكون طوق نجاة لأزمة الباحثين عن أمل وعمل.

لعلَّ هناك الكثير من الأفكار التي تحتاج قرارا حازما وحاسما من الجهات المعنية يمكن أن تفتح أبوابا للحياة الكريمة أمام الطاقات المعطلّة من الشباب العماني الذي يبحث عن فرصة حقيقية وسانحة لخدمة وطنه وبناء مستقبله بشكل حقيقي، وليس من خلال طرح وظائف وهمية في شركة تتعثر بعد فترة بسبب تراكم الديون، ومن ثمَّ يجد العاملون فيها أنفسهم في العراء يبحثون عن مستقبلهم الضائع، وجنتهم الموعودة.