أيام بصحبة حافظ وزرداشت (2)

 

 

فايزة محمد

 

بنو آدم أعضاء جسد واحد، فقد خلقوا من جوهر واحد

إذا أصاب الزمان عضوا بالألم، اضطربت سائر الأعضاء

 

أنت يا من لا تهتم بآلام الآخرين، لا يليق أن تسمى إنسانًا

                                              

                                                      سعدي الشيرازي،،

 

 

بالإضافة إلى ضريحي حافظ وسعدي الشيرازي فإن شيراز تمتاز بكثر الأماكن التي تستحق الزيارة، خاصة للمثقفين والباحثين الذين يُحبون التعرّف على الأماكن التاريخية والحضارية والثقافية والفنية عند الشعوب الأخرى، وفي هذا الجزء من المقال سأكتب عن بعض الأماكن فقط التي لا يعرف عنها كثير من زوار هذه المدينة التاريخية، وأتجاوز عن أخرى لشهرتها وكثرة ما كُتب عنها.

من الأماكن التي تستحق الزيارة في شيراز سوق وكيل الذي يُعتبر من الأسواق التقليدية والتراثية الشهيرة في إيران، ويقع في قلب المدينة، ويرجع تاريخ هذا السوق إلى القرن الثامن عشر الميلادي، حيث أمر ببنائه كريم خان الزندي (1705- 1779م) مؤسس الدولة الزندية في إيران، وفي هذا السوق يجد الزائر السجاد العجمي الفاخر والمنتجات التراثية والتقليدية الإيرانية التي يحرص كثير من الزوار على اقتنائها سواء للاستخدام الشخصي أو هدايا لأصدقائهم عندما يرجعون إلى بلادهم، والأسعار في السوق مناسبة جدا، وفي متناول اليد. وفي هذا السوق يقع أيضًا مسجد وكيل وهو من المساجد القديمة في إيران وبني في عهد الدولة الزندية التي كانت عاصمتها شيراز، ولذلك فلا غرابة أن تهتم ببناء الأسواق والمساجد والحمامات العامة والحدائق وغيرها، وقد سألت بعض الإيرانيين عن معنى كلمة وكيل وهل هو اسم لأحد علماء الدين أو أحد شخصيات الدولة الزندية فأجاب بأن كلمة وكيل تعني باللغة الفارسية الوصي وهو لقب أطلقه كريم خان الزندي على نفسه بديلا عن لقب الشاه (الملك) واعتبر نفسه وكيلًا أو وصيًا للرعايا، وحتى لا يتوهم القارئ أنّه فعل ذلك تواضعا أو زهدا في اللقب أو معتبرا نفسه خادما للشعب، فإني قد بحثت عن تاريخ الرجل في بعض الكتب، واستعنت في ذلك أيضا بمحرك البحث العالمي "جوجل" ووجدت أنّ هناك قصّة طويلة لهذا اللقب، ومختصرها: أنّه بعد وفاة الشاه نادر الأفشاري اضطربت أمور الدولة فقام كريم خان الذي كان أحد قادة نادر شاه العسكرين البارزين بتتويج حفيد آخر الملوك الصفويين القاصر إسماعيل شاه الثالث ملكاً على عرش إيران، ولأنّه كان قاصرا فقد جعل كريم خان من نفسه وصيا أو وكيلا على الشعب، وبعد أن توفرت له الظروف المناسبة أطاح بالملك الصفوي وأنفرد بالحكم، ولكنه فضل أن يستمر باللقب الجديد الذي أختاره لنفسه، وأظن أنّ السبب في ذلك هو وجود رغبة لديه بالتميز عن شاهات الدولتين الصفوية والأفشارية، ولكنه اهتم جيدا بمملكته بدليل وجود هذه الآثار التي بنيت في عهده. وبالقرب من سوق وكيل يقع أيضًا حمّام وكيل، وهو حمام عام كان يتردد إليه التجار والأعيان وعلماء الدين وغيرهم، ومن يدخل هذا الحمام يجد فيه مجسمات (نماذج) تصور شخصيات المجتمع المختلفة في تلك الفترة من أجل شرح كيفية دخول طبقات المجتمع في هذا الحمام، كما يمتاز هذا الحمام بالرُّسوم الجميلة على سقف القاعة الرّئيسة والجدار، ومن العجيب أّن الحمام كان يستخدم أيضا لمعالجة مرضى الأسنان وكيف كان الطبيب يقوم بقلع ضرس المريض. وقد لاحظت وجود زوار أوروبيين في هذا المكان وأماكن أخرى، رغم العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران.

ومن الأماكن التي لا ينبغي تفويت زيارتها في شيراز متحف بارس (بتشديد الباء) ويقع بالقرب من قلعة كريم خان الزندي؛ حيث كان مقرًا للقاءاته الرسمية ولكن تمّ تحويله إلى متحف سنة 1937، ويحتوي على مصاحف مخطوطة نادرة ترجع إلى العهد الصفوي، كما يحتوي أيضا على ضريح كريم خان الزندي وسيفه، ولكني لاحظت قلة عدد زوار الضريح الذين كانوا يُعدون على أصابع اليد الواحدة، مقارنة بالمئات وربما الآلاف الذين يزورون ضريحي حافظ وسعدي الشيرازي يوميا.