لقاء الغامضين

حسين بن علي الغافري

تدخُل بُطولة كأس كوبا أمريكا مرحلة الحسم والجدية أكثر في دور نصف النهائي، ولعلَّ المباراة الأولى ستستحوذ على اهتمام واسع بلقاء العملاقيْن: منتخب البرازيل ونظيره ومنافسه الدائم منتخب الأرجنتين. لقاء تاريخي ومهم جدًّا لا يحتاج إلى مقدمات عريضة وإسهاب واسع في إبرازه؛ فتنافسية المنتخبيْن على مدار التاريخ معروفة بسخونتها، وأكثر ما يُثير اهتمام المتابعين أنَّ المنتخبيْن يدخلان اللقاء بوضعية متشابهة، المنتخبان لا يعيشان أزهى فتراتهما؛ وبالتالي مسألة التوقع تبدو صعبة في مثل هذا التوقيت. البرازيل تعاني كثيراً من مشاكل مختلفة فنيًّا، وتجاوزت منتخب براجواي بصعوبة بالغة ومعاناة شديدة. كما أنَّ الأرجنتين عليها علامات تعجُّب وتناقض في التشكيلة التي يبدأ بها المدرب، كلها عوامل تدفعنا للقول بأنَّ اللقاء ورقي يبدو متكافئا والحظوظ متماثلة.

أكثر ما يدفع البرازيل للعبور إلى الدور النهائي هو أنَّ البطولة على أرضه وبين جماهيره؛ وبالتالي فإنَّ أي أمر آخر غير اللقب يعني أنَّ البطولة سيئة، والأسطوانة تتكرر مثلما حدث قبل خمسة أعوام بعد الخروج المُر من نصف نهائي كأس العالم على أرضهم وبين جماهيرهم. هذا جانب، والجانب الآخر أنَّ المنافس هذه المرة هو الأرجنتين وميسي، وكلنا نعرف حجم شراسة المنافسة بين المنتخبين تاريخيًّا، ولا ترغب البرازيل أن تكون ممرَ شرفٍ لوصول ميسي وزملائه إلى نهائي البطولة ولربما تحقيق اللقب. في المقابل فإنَّ التانجو بحاجة لما يحفظ له عنفوانه الذي تراخَى في الأعوام الماضية، وبات فريقا غير واضح الملامح وغير مُنظَّم، واعتماده على الفرديات وحضور نجمه الأول ميسي، ولو أنَّ ميسي لوحده حكاية أخرى مع المنتخب. المباراة ساخنة قبل أن تبدأ وسخونتها متوقعة في الميدان بشكل مضاعف.

الأرجنتين مُتناقضة كليًّا في الملعب، تارة تَجِد الفريق يقدم بعض اللمسات وتشعر أنَّه قادر على تقديم المزيد، وتارة أخرى ترى أنَّ الأمور كلها مُتراكبة ووضعه هشٌّ في أي لحظة يسقط ويغادر، وهو ما أراه أمرًا نفسيًّا مهزوزًا ومستوى الثقة بين الجميع لا يصل إلى مستوى عالٍ. فضلاً عن أنَّ القيادة الفنية للمنتخب غير واضحة، وهو ما يشي بأنَّ اللاعبين غير مُستقرين والحِمل ثقيل عليهم. الأرجنتين ينقصها مساندة حقيقية لميسي، ينقصها فريق متكامل ومنظَّم يلعب كرة قدم بسيطة ومعروفة تصنع وتجد الحلول في كل الأوقات ويكون نجمها الأول جزءًا منها وليس كلها. وفي المقابل، فإنَّ البرازيل كذلك تعيش تراجع مستويات، تعيش سنوات البناء ومرحلة الاستعانة بالمواهب الصغيرة، البرازيل ينقصها اليوم مهاجم قناص درجة أولى أو مهاجمين. المنتخب يصل ويهجم ويفعل كل شيء، ولكن اللمسة الأخيرة تكاد تكون مفقودة لولا التوفيق مرة أو فنيات النجوم في مرة أخرى.. عموماً يصعُب علينا التوقع الآن، ولكن المشاهد أمام كلاسيكو شهير وتاريخي وناري في نفس الوقت.