سباق الكم.. يتخطف الأذهان

المعتصم البوسعيدي

عِندما تبدأ بتحرِّي أخبار الرياضة في هذا الصيفِ المُلتهب، يقودك المسار نحو ما تحمله مواقع التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية من زخم كبير ترتفع معه أسهم الفرق الأهلية على وجه الخصوص، ووزارة الشؤون الرياضية ببرامجها المتعددة، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات واللجان المختلفة.

لقد ألهب السيد خالد بن حمد بداية هذا الصيف بإعلان ترشحه لرئاسة اللجنة الأولمبية، وكذلك فعل نادي السيب بحراكه في سوق الانتقالات ونواياه للموسم الكروي المقبل، مع وعود أندية أخرى وحسرة أندية من هنا وهناك في دورة متكررة من كل عام، ولا جديد فيها سوى "شجع فريقك" الذي يُوَاصِل سَحْب البساط بجماهيريته والزخم الإعلامي الذي يقوده العالم الرقمي تحت مظلة قمة الهرم الرياضي الماضي "نحو مجتمع رياضي".

ثُمَّ ماذا؟.. ماذا نريد أكثر من ذلك؟ فوقت الفراغ أمسَى كلمة خارجة من قاموس فصاحتنا، والشباب "في شغلٍ فاكهون" بفعالياتٍ لا حصر لها، والجماهير ترسم صورة لا تضاهى في مدرجات فرقها الأهلية، وفئات المجتمع كلها تتشارك بإبداعاتها الرياضية والثقافية والاجتماعية، حتى إذا ما هبت نسمات الشتاء؛ هجعت الأحلام إلى منامها المخملي والأرقام إلى سطور أوراقها المكدسة، وعندما يبدأ العالم في التنافس على صناعة الرياضة نختزل نحن الأفكار الإبداعية بكمياتٍ دسمة للصيف الذي سيأتي بعد موسم نتباكى فيه على الرياضة العمانية في أخبارنا ومقالاتنا وندواتنا وبرامجنا ببكائيات المهلهل على كليب والخنساء على صخر، فتخطفنا بلاغة الكلام وجزالة المعنى وكم الألم الذي نظل نعيش سكرته ونشوة ثمالته دون أن نخوض الحروب أو نصنع التغيير الإيجابي!

وصلني مقطع "فيديو" قبل أيام عن قصة الساحر المحترف "هاري هوديني" الذي تحدى العالم بأنه يستطيع الهروب من أي زنزانة سجن بشرط دخوله بملابسه العادية، على أن يكون خارج السجن بعد ساعة واحدة فقط، وباختصار شديد جدا... قبلَ أحد السجون هذا التحدي فدخله الساحر "واثق الخطوة يمشي ملكا"، وقد أخرج سلكًا معدنيًّا لفتح باب الزنزانة لكنه لم يستطع لا في ساعة ولا ساعات إضافية، حتى استسلم وقد تفاجأ وهو في قمة يأسه أن الباب لم يكن مقفلا من الأساس!!.. فكم بابا أغلقناه "في عقولنا" لتطوير رياضتنا لمجرد أننا خلقنا عدونا بدواخلنا بغُرور نجاح ما نقدمه، لمجرد أن الأرقام لا حصر لها في حصاد السنة؛ أرقامٌ لا تعبر عن الكيف بقدر ما تعبر عن الكم.. أرقامٌ لا قيمة لها بميزان البطولات.

إن أي محاولة لخطفِ الأذهان بغير الحقيقة ستنتهي عند لحظة حاسمة وسريعة طال الأمر أو قصر، تماماً مثلما حدث- مؤخراً- مع نجمِ الكُرة المصرية المُعتزل محمد أبو تريكة الذي حاول البعض النيل منه ورسم صورة ذهنية مشوهة عنه، سقطت سريعاً بصوت الجماهير المصرية والعربية وهي تردد اسمه بالحب وعدم نسيان جميل ما قدمه اللاعب من سلوك وأفعال داخل وخارج الملعب، وثقة بأنه "لا يصح إلا الصحيح".

بالعودة لواقعنا وما يحفل به صيفنا الرياضي من فعالياتٍ ومناشط كبيرة، يجب علينا أن ننظر لها بأبعاد مختلفة؛ أهمها: مدى تأثيرها فعلا على واقع أنديتنا الرياضية التي ينطلق منها كل شيء، وعلى واقع نتائجنا الرياضية، ومدى تطابق تلكم الفعاليات مع المسؤوليات والمهام والأولويات، ومع إدراكي التام للمسؤولية الاجتماعية، لكن يجب أن لا يغرنا جمال القصور التي تُبنى على أساس من الملح الذي سيذوب -حتما- مع كل مجرى ماء عذب، وسباق الكم يمكن أن يتخطف الأذهان لكن العبرة -دائما- عند نهاية السباق.