موسم أوبرالي مفعم بالفنون

مدرين المكتومية

برهنتْ دار الأوبرا السلطانية أنها بالفعل صديقة للجميع ومُحِبَّة للسلام؛ فهي تجسيدٌ لإحدى صور عُمان المشرقة في العالم، وهي منارة مضيئة تشع ضياءً موسيقيا يعبر الحدود ويخترق الأفئدة على تنوعها، هي مركز حضاري يستقطب جميع الثقافات على أرض السلطنة، لتنطلق إلى العالم في صورة فن أوبرالي راقٍ.

ولأنَّ الفن جزءٌ لا يتجزَّأ من تفاصيل الحياة، فإننا نعبُر به إلى عوالم أخرى، نشترك فيها مع الكثير من العقول التي تشبهنا وتجمعنا، نجتمع في صالات العرض لنستمع إلى الموسيقى الراقية ونشاهد الفنون الأوبرالية الرفيعة؛ فالأوبرا أيقونة الفن الأصيل وجوهرة الثقافة المعاصرة. وامتدادًا لذلك، وحفاظا على هذه الثقافة، جدَّدت دار الأوبرا السلطانية العهد مع جمهورها وعشاق هذا الفن داخل وخارج السلطنة، وأعلنت بالأمس عن الموسم الجديد الحافل بالكثير من العروض، التي تمزج التاريخ مع الثقافة، في قالب ممتع وشيق يجذب الأرواح والعقول والقلوب.

مع هذا التطور والتقدم الذي تشهده الأوبرا السلطانية التي أصبحت ليست فقط معلمًا فنيًّا على مستوى السلطنة وإنما على مستوى العالم، وهناك كثيرٌ مِمَّن يُشِيدون بالمستوى الذي تعمل عليه؛ ومنها: الفرق الموسيقية والفرق العارضة والفنانون الذين أحيوا حفلاتهم وعروضهم في الدار، وهو بالفعل من أبرز المعالم السياحية التي تتميز بها السلطنة، ومقصد كل زائر ومحب للفن ليس على مستوى العروض المقدمة، وإنما لكونها تحفة معمارية تم تصميمها بطريقة رائعة واهتمام واضح بكل التفاصيل الدقيقة التي تلفت الانتباه وتأسر القلوب.

كان مُدهِشا التنوع الذي حرصت عليه إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط، في تقديم جميع الأشكال الفنية التي تلبِّي جميع الرغبات والتوجهات سواء للمواطنين أو المقيمين، بل إنَّ هناك من يأتي خصيصًا لحضور بعض الحفلات التي تستهوي ذائقته، وهو استثمار جيد جدًّا لإمكانيات الأوبرا، لكن ما أود الإشارة إليه هنا أنه وبعد هذه السنوات الطويلة من المواسم الناجحة ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الأصوات العمانية والفن العماني على مسارح الأوبرا العمانية، وهو ما تحاول إدارة الأوبرا فعله، لكنه لا يحتاج جهدًا فقط من الدار وإنما يحتاج جهدًا من جميع الجهات المختصة التي يجب أن تكتشف المواهب وتنميها.

لدينا الكثير من الجهات التي تُعنى بإبراز الفن العماني، لدينا تخصص متكامل بجامعة السلطان قابوس للموسيقى، ولدينا جمعية هواة العود، وأيضا وزارة التراث والثقافة... وغيرها من الجهات ذات الاختصاص، التي لديها اهتماماتها بإبراز الفن العماني، وما نحتاج إليه هو تكاتف الجهود في إيجاد جهة مختصة تجمع كلَّ الجهات وتبحث عن الموهوبين في كل مكان وفي مختلف ولايات ومحافظات السلطنة، ونحتاج من بين هذه أن ننتخب بعضَ الفرق والمواهب التي يُمكن تطويرها ليس فقط لتبنيها وتقديمها لدار الأوبرا السلطانية مسقط، وإنما يمكنها بعد ذلك أن تقدم عروضًا تعبِّر عن الفن العماني وتكون سفيرة له في الخارج، وهناك بعض الفرق التي استطاعت أن تنال بعض الاهتمام، ولكن لا يجب أن نركز جلَّ اهتمامنا على فرقة أو فرقتين، بل نبحث عن التنوع والتجديد في التراث بصورة جديدة تعرف العالم به ويفهمها، وتكون بالفعل مؤديا ومجددا للثقافة وسفيرا له.

... إنَّ الفن إكسير الحياة، وجسر التواصل بين ذواتنا والعالم من حولنا، إنه المقياس والمعيار لدى الكثير من شعوب العالم والدليل على تقدم فكر وثقافة بلد عن آخر، ونحن ولله الحمد حظينا باهتمام سامٍ كبير منذ فجر النهضة المباركة بالفن، عبر مختلف الصور، حتى باتت الكثير من دول العالم تنظر لعُمان باعتبارها تضم واحدة من أبرز وأهم دور الأوبرا في العالم؛ لذلك على كل عماني وعمانية أن يدرك جيدا أن بلاده تزخر بالكثير من المقومات والمميزات التي تجعلها متفردة عن دول العالم قاطبة، بفنها الأصيل، وثقافتها الرفيعة، ومجدها التليد أيضا.