حمد بن سالم العلوي
قد تعجب عجباً عندما ترى الشوارع والأسواق تزدحم بالنَّاس بين رمضان والعيد، وقد يُخيّل إليك أنَّ هناك فرصة ستذهب ولن تعود أبداً، لذلك استحقت كل ذلك التدافع الغريب العجيب، ولا تعرف من أين كل هذا المال الذي سيُبذر خلال فترة وجيزة، بل تتعجب من أين أتى النَّاس بهذا الصبر اليعقوبي؟! وهو نسبة إلى صبر نبي الله "يعقوب" الذي حلَّ فجأة في نفوس هؤلاء المتسوقين!! ففي العادة الناس يفرُّون من الصبر، ولا يُطيقون الانتظار إذا تعلَّق الأمر باختناقات مرورية طارئة، أو زيارة دائرة خدمية يحلو لها التطويل والمُماطلة في المعاملات، فتجدهم ينزعجون ويتذمرون، لا بل يثورون من ذلك الوضع، حتى إن بعضهم إذا أتى إلى مطعم، ولم يجد الأكل جاهزاً كما يُريد، فإنه يترك المطعم ويذهب ليبحث عن آخر أسرع في تقديم الوجبات، أما ضحايا التسوق لرمضان والعيد، فلهم خاصية الصبر، وخاصية أكبر في الدفع.
وقد لا يكاد ينتهي العيد حتى تجد معظم هؤلاء، يبحثون في البنوك عن سلفة على المعاش القادم، لماذا وكيف؟ لا تعرف سبباً لذلك التَّهور في الدفع، ولكن هم يصرّون على العمل بالمقولة التي تقول "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" حتى وإن كانت هذه المقولة لا تصدق في أغلب الأحيان، ثم لماذا لا يجري الناس مقارنة بين الأعوام الماضية والحالية، وذلك كنوع من تنظيم الذات ولتقييم احتياجات رمضان من مشتريات الأكل، واحتياجات مشتريات العيد من ملابس ومأكولات خاصة بأفراح العيد، وأن يخرج النَّاس بالتقديرات الضرورية، ودون مُبالغة ترهق الجيوب إلى درجة الإسراف في مُعظم الحالات.
لكن أليس من واجب الدولة، أن تبصِّر الناس في إدارة شؤونهم الذاتية، إذا ما وجدتهم قد جنحوا عن نهج الوسطية، وهي تعلم أن القليل من الناس اليوم يعتمدون التخطيط كنهج حياة، وأنَّ الناس قد أخذتهم سرعة التسابق في كل شيء، فهناك من تُغريه الدعاية بتقليد الآخرين، وهناك من يُريد أن يتظاهر بالثراء بأي وجه من الأوجه، وذلك دونما التفكير في عاقبة الأمور، وقد أخذوا من الحداثة وجهها البراق، ولم يغوصوا في عمقها ليقيسوا كنهها الخادع، لذلك أرى أنَّ على الدولة واجب التوجيه، وأن تكون قريبة جداً من المُجتمع، وأن تقيس مظاهر التغير السلوك الاجتماعي بين السلبي والإيجابي، وأن تُصحح المسار بالضرورة عندما تجد مُغالاة في الأمر، بهدف منع وقوع الضرر الجماعي على الدولة والمجتمع، نتيجة لهذه السلوكيات التي طرأت على تصرفات النَّاس.
ثم نتساءل لماذا لا تستغل الدولة وسائلها للتوجيه المباشر وغير المباشر؟! أم راق لها كثيراً ما يُقال في الدعاية الغربية من الحرية الفردية في كل شيء، وعندما يُصار بالضرر في كل اتجاه، نلجأ عندئذ للشجب والامتعاض، بل والنواح على الماء المسكوب، والدولة تملك الكثير من الوسائل وعلى رأسها الإعلام الموجه، والمساجد والنوادي الثقافية، والجمعيات الأهلية، والتربية والتعليم، فإذا جئنا إلى وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون، فنجدها في الغالب بين مسلسلات وحكايات وأغان، وكل ضروب التسلية والترفيه، فهي رادحة بالطبل والمزمار ليل نهار، إلا في القليل من البرامج المفيدة، فهناك إسراف في الصرف، وهناك سلوكيات غازية غريبة عن قيمنا وعاداتنا، وهناك سلوكيات مرورية خطرة تذهب بالأرواح، نتيجة لتدني في الثقافة المرورية، ولا من برنامج يخصص لذلك، رغم أهميته في حماية الأرواح.
أما إذا جئنا إلى المساجد، فتجد النَّاس يسارعون إلى أداء الصلوات، والخروج سريعاً منها، حتى إن بعضهم لا يرد السلام على الآخر، كالمطايا التي ترد الحوض فإذا شربت تفرقت، وكان الفارق بيننا كبيراً كبشر، فنلتقي ليس للصلاة وحسب، وإنما نلتقي للتعارف والصلاة، وإشاعة المحبة والسلام، أما إذا جئنا إلى خطب الجمعة، فتجدها تؤدى كواجب شرعي، وهي خطبة محنطة عصماء، وكأنها تخاطب الأموات لا الأحياء، فلا تهتم بالحض على حسن المُعاملة، وطيب التعامل، والحث على العمل، والرقي بالإنسان سلوكيًا وأدبياً، لكي يُعمِّر الأرض ويحرثها، وإنما تهيء الناس للموت والقبر، وكأن الموت شيء مجهول قد يأتي أو لا يأتي، وتناسينا أنه حكم إلهي مبرم مؤجل التنفيذ، ومخفي لحكمة ساعته ووقته، ولكن لا يُمكن لعاقل أن يتجاهله، إذن نحن نريد ما يحث على العمل في الحياة وحسن التعامل، وإذا قام الإمام للصلاة، فبدلاً من حثهم على الاستقامة وتسوية الصفوف، تجده يختصر كل ذلك بالقول "صلوا صلاة مودع" وهذا كل الذي يعنيه من توجيهه للنَّاس، وكذلك الأدوار الأخرى من قبل التربية والتعليم، وغيرها من الجهات الأخرى، كله مجرد أداء لواجب رسمي، يحلل به العمل اليومي دونما نظر إلى أهداف عميقة.
إذن يجب عدم ترك الأمور على عواهنها، ثم إذا اضطربت أمور الناس، وشطوا عن طريق الصواب، سارعنا إلى الاستنجاد بالشرطة لحل مشكلة الخروج على الطاعة والنظام، فذلك الذي غفلت الدولة عن تبصير النّاس به، فأنا هنا لا أدعو إلى تضييق الحريات، وإنما أدعو إلى أن نكون كدولة ومجتمع يداً بيد، للنهوض بالوطن ونسند بعضنا بعضاً، وأن نخلص بالنصيحة والرأي فيما بيننا .. حفظ الله عُمان وسلطانها المفدى وشعبها الأبي.