"نيويورك تايمز": التباطؤ يضرب الاقتصاد الأمريكي بسبب "الحرب التجارية"

ترجمة- رنا عبد الحكيم

أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير لها أن التباطؤ بدأ يضرب الاقتصاد الأمريكي في أولى النتائج المترتبة على الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين.

وسجلت وتيرة التوظيف في الولايات المتحدة خلال شهر مايو انخفاضا حادا، وخاصة في القطاعات التي تعتمد على التجارة، في دلالة على أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الواردات الصينية، بدأت في إحداث الأضرار على أكبر اقتصاد في العالم.

وبحسب التقرير الموسع الذي نشرته "نيويورك تايمز"، حاول جميع المشرعين والمسؤولين التنفيذيين في قطاع الأعمال والاقتصاديين تحذير الرئيس ترامب من أن سياسته التجارية قد تضر بالنمو. وبنهاية الأسبوع الماضي ذكرت الحكومة الأمريكية أن أصحاب الأعمال أضافوا 75000 وظيفة فقط في شهر مايو وهذه حقيقة يصعب تجاهلها. وهذه الزيادة بعيدة كل البعد عما توقعه الاقتصاديون؛ حيث كان الضعف أكثر وضوحا في القطاعات التي تعتمد على الصادرات وكان المحللون يرون أن السبب وراء ذلك الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصين ودول أخرى.

والبيانات الجديدة الصادرة عن وزارة العمل الأمريكية تزيد من احتمال قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بخفض أسعار الفائدة، وهي أحدث علامة على تباطؤ الاقتصاد.

وقال سكوت أندرسون كبير الاقتصاديين في "ويست بنك" في سان فرانسيسكو: "يجب أن يكون هذا تحذيرا واضحا للإدارة ولمجلس الاحتياطي الفيدرالي لمتابعة الجبهة السياسية بعناية فائقة". وأضاف "يمنحنا تقرير الوظائف لشهر مايو توقعا لما ينتظرنا إذا استمرت هذه التهديدات التجارية".

واستهل الاقتصاد الأمريكي هذا العام بأداء قوي؛ حيث نما بنسبة 3.1% في الربع الأول. لكن ذلك الانتعاش واجه توقعات الركود عدة مرات وقد حقق هذا الشهر رقما قياسيا مقارنة بطفرة التسعينيات.

وعلى الجانب الأخر، تتواتر أنباء جيدة في تقرير وزارة العمل، فمعدل البطالة لم يتغير واستقر عند 3.6% مسجلا أدني مستوى في 50 عاما. وزاد متوسط الأرباح في الساعة بنسبة 0.2%، وهو أقل من المتوقع، لكن أفضل من السابق فيما يتعلق بالتعافي الاقتصادي.

وإعلان ترامب يوم الجمعة الماضي أنه سيعلق خطته الخاصة بفرض رسوم جديدة على المكسيك والتي كان من المقرر أن تبدأ سارية اليوم الإثنين، من شأنه أن يسهم في تقليل المخاوف من تصاعد التوترات التجارية.

ومن المحتمل أن تشهد بيانات الوظائف الشهرية تقلبًا، في ظل تذبذبات كبيرة بالفعل خلال أشهر يناير وفبراير ومارس من العام الجاري. لكن تباطؤ وتيرة التوظيف في مايو صاحتبها مؤشرات أخرى مخيبة للآمال. فقد انخفضت أسعار النفط والعوائد على سندات الخزانة، مما يشير إلى أن التجار يتوقعون تباطؤ النمو.

ودعّم خفض الضرائب على الشركات في أواخر عام 2017، اتجاه الاقتصاد الأمريكي ناحية النمو في عام 2018 وأوائل عام 2019، لكن ذلك التأثير بدأ يتلاشى. ففي الأشهر الخمسة الأولى من عام 2019، أضاف الاقتصاد ما معدله 164,000 وظيفة بانخفاض عن متوسط المكاسب البالغ 223,000 للكل في عام 2018.

إضافة إلى ذلك، انخفضت مبيعات التجزئة وطلبات المصانع في شهر أبريل، مما يدل على أن المستهلكين والشركات أصبحوا أكثر حذرا عن ذي قبل. وانخفضت بيانات التوظيف في مارس وأبريل بمقدار 75,000 وظيفة.

وبالنسبة للشركات الكبرى تمثل الرسوم الجمركية السبب الرئيسي للمخاوف الاقتصادية.

وتمارس إدارة ترامب ضغوطًا على الصين منذ شهور، لكن التوترات تفاقمت في مايو الماضي عندما فشل المفاوضون في التوصل لاتفاق، ورفعت الإدارة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بقيمة 200 مليار دولار. وهدد الرئيس ترامب أيضا المكسيك بفرض رسوم جمركية، وقال إن إدارته ستفرض رسوما بنسبة 5% على الواردات من المكسيك، لإجبارها على وقف تدفق المهاجرين من أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة.

وعارض العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ هذه الرسوم، وأرسلت الحكومة المكسيكية مسؤولين كبار للتفاوض مع إدارة ترامب. وفي وقت متأخر من الجمعة قال ترامب إن الولايات المتحدة والمكسيك قد توصلا إلى اتفاق بشأن الهجرة وأن الرسوم "تم تعليقها إلى أجل غير مسمى".

وفي حين أن هذا القرار من المؤكد أن يرضي العديد من الشركات، فإن الرسوم التي فرضتها واشنطن على الصين ودول أخرى أجبرت بالفعل الشركات المصنعة الكبرى ومقاولي المنازل والشركات الأخرى على شراء المكونات والمواد الأساسية بأسعار أعلى. ويعتقد المحللون أنه يتعين على الشركات في نهاية الأمر نقل هذه التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين من خلال رفع الأسعار.

وتتوقع ميشيل ماير كبيرة الاقتصاديين في "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" تباطؤ النمو إلى أقل من 1.5% في النصف الثاني من العام الجاري. وفي الربع الحالي، تقدر ماير أن ينمو الاقتصاد بنسبة 1.9%، بينما يتوقع محللون أخرون أن يقترب النمو من 1%. وقالت ماير: "إذا تفاقم الضعف العالمي أو استعرت الحرب التجارية، فسيكون لذلك تأثير على أسعار السلع في الاقتصاد".

والمصنعون الأكثر تأثرا بمجريات التجارة العالمية، حيث تعتمد بصورة كبيرة على الشركات الأجنبية كموردين وعملاء. وكانت الصين جزءا مهما من سلاسل التوريد منذ سنوات، ولن يكون من السهل على هذه الشركات إيجاد بدائل، كما إن الرسوم الجمركية- والتي وصفها تقرير نيويورك تايمز- بـ"الانتقامية" والتي فرضتها بلدان أخرى، جعلت الصادرات الأمريكية أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

وقد تباطأ التوظيف في قطاعات مثل التصنيع والتعدين خلال مايو، في حين أظهر قطاع الخدمات قوة. وأضافت فئة الخدمات المهنية والتجارية 33,000 وظيفة وأضافت الرعاية الصحية 24000 وظيفة. وواصل قطاع التجزئة- الذي تضرر من ازدهار التجارة الالكترونية- فقدان الوظائف للشهر الرابع على التوالي، حيث انخفض التوظيف في القطاع بمقدار 50000 وظيفة منذ يناير الماضي.

ودفعت هذه الأرقام الاقتصاديين في وول ستريت للتنبؤ بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيعمد إلى تخفيض أسعار الفائدة في أقرب وقت خلال شهر يوليو المقبل. وألمح جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن صناع السياسة النقدية على استعداد لخفض أسعار الفائدة إذا أضرت الحرب التجارية بالاقتصاد.

وتوقع مايكل جابين كبير الاقتصاديين في باركليز في الولايات المتحدة، أن تكون الخطوة التالية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي محايدة. فقد قدر أن البنك المركزي سوف يخفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في يوليو، تليها خفض ربع نقطة في سبتمبر.

ويتزايد اقتناع المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة. وتشير بيانات سوق العقود الآجلة- حيث يمكن للمتداولين الرهان على اتجاه سياسة الاحتياطي الفيدرالي- إلى أن المستثمرين يعتقدون أن هناك فرصة أكثر من 80% لتيسير السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في يوليو، مقارنة مع احتمال 17% قبل شهر واحد فقط.

وتوقعًا لخفض الفائدة، ارتفعت أسعار الأسهم والسندات في الأسواق المالية، فقد أغلق مؤشر ستاندارد آند بورز 500 متراجعا بحوالي 1%.

تعليق عبر الفيس بوك