"سيدات القمر" وحراس الفضيلة

 

سالم بن نجيم البادي

 

فرحة عارمة عمت الأوساط الأدبية والثقافية في عمان حين فازت الكاتبة العمانية جوخة الحارثية بجائزة مان بوكر العالمية عن جدارة واستحقاق هناك في الغرب حيث لا واسطة ولا مجاملات ولا محاباة ولا ترضية ولا تدخل للسياسة والجغرافيا؛ حياد تام وأنظمة وشروط صارمة وواضحة، إلا أن خفافيش الظلام عندنا أطلت براسها فور الإعلان عن الفوز؛ معلنة أنّ الكاتبة لم تفز لروعة روايتها ولكن لأنهم وجدوا في الرواية رائحة مبادئهم وقيمهم وثقافتهم التي تنادي بالتحرر وبالحرية الجنسية والعلاقات المتحررة بين الرجل والمرأة حسب زعمهم.

عزاؤنا أن هؤلاء ليسوا كتابا ولا مثقفين ولا علاقة لهم بالأدب وبالكاد يجيدون القراءة والكتابة، أقول هذا نفيا لما قيل عن حق هؤلاء في حرية الرأي والتعبير والنقد أنهم لا يقولون نقدا ولا رأيا هم، فقط يجتزئون عبارات معينة ويغردون بها ورأيت من يتداول في مجموعات الواتساب صور صفحات من الرواية ويضعون خطوطا حمراء وخضراء وزرقاء تحت بعض العبارات ويرافق ذلك عبارات ساخرة وتعليقات ماجنة ويغرد أحدهم بكلام من الرواية ثم يعلق عليه بقوله هل عرفتم الآن سبب فوز رواية سيدات القمر بالجائزة.

من الغريب أن يجرؤ على قول هذا من ينتسب لهذه الأرض الطيبة المعطاءة عمان والفائزة هنا امرأة عمانية!

هؤلاء هم الطابور الخامس وأصحاب عقد النقص والشعور بالدونية، وأرباب نظريات المؤامرة هواة الصيد في الماء العكر والمحتكرون للدين والمتحدثون وحدهم باسم الدين ومدعي حماية الأخلاق والقيم والذين يلعبون دور حراس الفضيلة وفي دواخلهم مآرب أخرى وأهداف خبيثة هم أعداء النجاح والإبداع أهل النفوس الغارقة في الرجعية والتخلف وسوء النية.

تجار الدين وأهل الكهنوت وأدعياء التقوى يفسّرون النصوص وفق رؤى مريضة وفكر فاسد وأوهام وظنون يضخمونها ويسوقونها على أنّها حقائق لا تقبل الشك ويقوّلون الكاتب ما لم يرد قوله وما لم يقصده ولا خطر على باله.

وهذه الفئة تتربص بالكتاب والأدباء خاصة في عالمنا العربي، فحينما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب وجد من يدعي أنه فاز بها لأنه تكلم عن الذات الإلهية بسوء في رواية "أولاد حارتنا"، وعندما فاز أحمد زويل بجائزة نوبل في مجال العلوم ظهر من يقول إنّه فاز بها لعلاقته بإسرائيل.

ومع تواضع تجربتي الشخصية كتبت ذات مرة قصة قصيرة تدور أحداثها في لندن ومدن بريطانية أخرى وهي قصة حب وكنت أتحدث فيها وكأنّي أنا بطل القصة وبعد نشرها وصلتني الكثير من التعليقات يعتقدون أنّ الأحداث حقيقية ويسألون كم نسبة الواقع في هذه القصة وهل أنت متزوج وهل تقبلت زوجتك ذلك، وتستغرب بعض النساء كيف أنّ زوجتي تتحملني وما علموا أنني كتبت القصة قبل أن أزور بريطانيا وأن ذلك كان خيالا في خيال.

لا يدرك أصحاب الغمز واللمز أن الأدب هو محاكاة للواقع وغوص في أعماق المجتمع وسبر لأغوار النفس البشرية وانحياز تام للإنسان ووجع الإنسان وآماله وأمنياته وتطلعاته ورغباته وعواطفه وأحاسيسه ومشاعره ومشكلاته الحياتية.

الأدب لا يهدف إلى إرسال رسائل وليس مهمته الوعظ والإرشاد الأدب هو المتعة الروحية والعقلية هو تجسيد للجمال والخيال المجنح والهروب من الواقع الضيق إلى عالم من البهجة وإثارة ألف ألف سؤال.. الأدب دعوة للحرية والعدالة والخير والحب والسلام والتسامح والسمو الإنساني.

يا أنتم.. اتركوا الإبداع يمر وينمو ويزدهر أرفعوا أيديكم عن الجمال احتفظوا بالقبح لكم وحدكم، ومبارك لجوخة الحارثي هذا الفوز الذي كان مصدر فخر واعتزاز وفرح لعمان كلها.