تاريخ.. ومراجعات عربية!

يوسف عوض العازمي

 

"إذا بدأ الإنسان بقناعات فسيصل إلى شكوك، أما إذا بدأ بشكوك فسيصل إلى قناعات".. فرنسيس بيكون.

--------------------

في قراءة تشكيل الآراء المتشكلة بإيحاءات فكرية متفلسفة على أنقاض أفكار متأخرة تأرجحت بين السالب والموحب، والآتي والذاهب، والراغم والمرغم  في مسارات الفكر العربي المعاصر المغلوب على أمره فكريا وثقافيا وفلسفيا وحتى دينيا!

ففي مراجعات الفكر ومتتابعاته تستصرف الردة والتحجيم للفكر من بعد عصر التوهان والضياع، واجتهادات مفكرين وتسكعات في شوارع الأفكار والتفكر والتفكير بما آلت إليه الأحوال، لم يرتبط هؤلاء المتفكرون بفكر يبقى مفكرا يفكر له المفكرون الجدد، استحال عليهم (أي هؤلاء المفكرين الأوائل) أن يبقوا لو أثرا لأفكارهم التي لم يبق منها إلا مجرد أوراق تقرأ في كتب عتيقة، لتأريخ مرحلة معينة أو تذكُّر حدث عابر، لم يفلحوا في الفكر، وأفلح التاريخ بتذكرهم كأفراد حاولوا لكنه لم يكتب بأن تأثيرهم ما زال للأجيال!

ثقافيًّا قد يكون الحال أفضل، وإن كانت الثقافة جامعة بالفكر والفلسفة والأدب، هنا لابد أن يكون التركيز على القاهرة، منذ بدايات القرن الماضي، وأيام المنفلوطي والرافعي والعقاد وطه حسين، هؤلاء تركوا ثقافة ما زال أثرها يقرأ ويدرس ويبحث فيه، ومن بعدهم كان هناك عدد من المثقفين الأدباء لعل أبرزهم نجيب محفوظ هذا الإنسان البسيط الذي وصل إلى مكانة لم يصلها حتى أساتذته، وبقي حتى الآن أيقونة ورمزا للأدب العربي، وفي رأيي البسيط أنّ نجيب محفوظ ارتبط عالميا (انتبه: أقول عالميا ولم أقل عربيا) بروايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا"، التي أعتقد أنها من مهد الطريق إلى نوبل، رغم أني أرى أنّ ثلاثيّته هي الأوقع في نفوس القراء، وفي تاريخه الأدبي، إنما نظرة أهل نوبل غير!

فلسفيًّا لا جديد، اعتماد شبه تام على الفلاسفة الكبار وجلهم من القارة العجوز، حتى الفلاسفة المعاصرين ثبتوا وجودهم في محراب الفلسفة العربية، رغم وجود اجتهادات، لكنها لم تخرج من جلباب فلاسفة القارة العجوز، ولا أعلم ما السبب، هل الفلسفة خلقت لأوروبا فقط؟

هل عجز العرب عن التفلسف وإبداع الرؤى الفلسفية المؤثرة كالتي تدرس في معاهدنا وجامعاتنا، أم نحن مجرد ناقل ينقل ويحلل فقط، إنما بلا إنتاج يشار إليه بالبنان، ويبقى أثرا للأجيال القادمة.

دينيًّا على الله العوض ومنه العوض، أصبحت السياسة في الغالب الأعظم هي من يسير مسارات التدين وحملاته والاجتهادات، حتى وصل الأمر إلى أن الرؤية السياسية هي التي تحدد الحلال والحرام والصح والخطأ، والحمد لله أنها لم تطأ طريق الثوابت الدينية، وأعتقد أنها لو كانت تملك الجرأة لفعلت، وهنا أحيي طلبة العلم الشرعي المبتعدين عن السياسة وكواليسها، والمتقين الله في علوم الشرع والدين، الذين يجتهدون في الفتاوى والأبحاث الشرعية، هؤلاء من يرتفع شأن الأمة بهم، وليس من مشايخ الفضائيات أهل الحل ونقيضه، الذين من دخلوا بلاط الحكومات وكأنهم أعطوا مفتاح السلسلة للسياسيين، وجعلوهم أضحوكة العصر، بل وهناك من ربط الدين بهم، وفي ذلك جهل عظيم.

الفكر العربي المعاصر بحاجة لنفضة تنفض الهدوء الإبداعي، وتشغل الناس بالثقافة والأدب بدلا من الإنشغال السياسة والطائفية والقبلية وأخبار الهزائم المتكررة بالحروب، الأمة بحاجة لرجال مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد رشيد رضا وغيرهم من رموز التنوير، الشعوب العربية ضحكت على شواربها قيادات العسكر الذين سلبوا الحكم وقتلوا دافع الإبداع وهمشوا الحرية ووقفت مسيرة التطور والرفاة منذ وصولهم المشؤوم للسلطة، حتى وصلنا إلى القمة في أعداد اللاجئين والنازحين ومعتقلي الرأي، العرب في حاجة لتطور ملموس يشعر به الجميع، وذلك لن يأتي بالتأكيد وسط أوضاع سياسية غير مستقرة، وأنظمة حكم على الشعب وليست للشعب، والكلام كثير والجروح العربية أعمق من أن تنثر بمقال!

alzmi1969@

تعليق عبر الفيس بوك