"من عرف نفسه، صنع المعجزات".. جوخة الحارثية

الإبداع الروائي بمركب عماني

يوسف عوض العازمي

 

مع بدء انتشار خبر فوز الروائية العمانية جوخة الحارثية بجائزة البوكر مان انترناشيونال العالمية، عمت الفرحة الوسط الأدبي والثقافي في الكويت، لأن هذا الفوز لا يجير لعمان الحبيبة فحسب، بل للخليج كله وللعرب، وكان أحد الأعزاء عندما علم بالخبر، اقترح عليّ أن اكتب مقالا" يحتفي بهذا الإنجاز الأدبي غير المسبوق، وكذلك ساعدني أحد الأعزاء على اختيار عنوان هذا المقال، ولولا خشية إحراجهم لذكرت أسماءهم وشكرتهم، ويدل ذلك على أن القلوب عند بعضها بين أهل الكويت وأهل عمان، وينطبق على ذلك مشاعر أهل الخليج والعرب، ولا يوجد لدي شك في ذلك.

ففي إنجاز ثقافي غير مسبوق على المستوى العربي، توجت الروائية العمانية جوخة الحارثية بجائزة مان بوكر العالمية، عن النسخة المترجمة من روايتها "سيدات القمر" وذلك في احتفال مهيب ولائق في مدينة الضباب لندن..

الملفت أنّ الرواية صدرت منذ عشر سنوات، وكالعادة لم ينتبه لها إلا القلة من النقاد والمهتمين، رغم أنّها رواية رصينة وجادة، وتبحث في منظورات تمس الواقع العماني في مرحلة تاريخية هامة، من حيث القرية والعلاقات الأسرية ومطارحات الحياة والإنسان، وأظن لو كانت الكاتبة ذات اسم مشهور لربما حصلت على الاهتمام، وهذا أمر يجرنا لمشكلة تجاهل الأسماء الجديدة وغير المشهورة، وعدم تقديم الحافز والدعم المشجع، على الرغم من الحديث المستمر عن دعم المواهب ولكنه كلام لم يطبق بالشكل المطلوب، وأكثره فقط لمجرد تسجيل موقف لا وجود فعلي له!

ويذكرني تألق الكاتبة المميزة جوخة أمرا هاما في مجال البروز بمجالات الثقافة، ألا وهو التركيز على البيئة المحلية، وتسليط الضوء عليها والتعامل مع حيثياتها بتوازن، ونقل الحدث (هنا افتراض بالحالتين الواقعية والخيالية) بشكل ينقل الحالة كما هي في عمانيتها المحلية، مما يعطيها زخما واهتماما بالبيئة والناس والعادات والتقاليد، لأنّ الرواية تؤخذ أحيانا "كتأريخ متوقع لأحوال ويومياتها أهلها..

لا ننسى حتى الروائيين العالميين أو من يشار إليهم بالبنان، هم أساسًا" أبناء بيئتهم، لم يبرزوا إلا من خلال محليتهم وتفاصيلها، خذ عندك نجيب محفوظ الذي نقل تفاصيل الحارة المصرية في رواياته ومؤلفاته، بالذات ثلاثيتة الشهيرة (بين القصرين - قصر الشوق - السكرية) والتي اعتبرها الكثيرون أهم رواية في تاريخ الأدب الروائي العربي، وكذلك الكاتب التركي أورهان باموق الذي برز من خلال رواياته المثيرة عن الأحوال الآجتماعية ويوميات شوارع أسطنبول وأحداثها وتأثير المدينة العتيقة على أهلها، وكان يكتب بمحلية صرفة، لكنّها من قوة تأثيرها والصدق الملازم لها أوصلته إلى أعلى جائزة عالمية كما أوصلت محفوظ، وأتمنى أن تكون "سيدات القمر" هي الخطوة الأولى وربما الأهم التي ستنقل الكاتبة الحارثية إلى نوبل، ولم لا.. فهي تسير على الطريق الصحيح..

في خليجنا يوجد كتاب رواية على مستوى عالٍ من الحرفية، لكنهم لم يعاملوا بالشكل المناسب لإبداعاتهم، ولم يكرموا التكريم المناسب، وحتى رواياتهم رغم أهميتها في نقل الأحداث من زوايا تاريخية تنقل المحلية بأبسط وأدق تفاصيلها لكن لم يجدوا من يعطيهم الاهتمام المناسب، وهنا سأكتفي بذكر اسمين من هؤلاء المبدعين الكويتي "إسماعيل فهد إسماعيل" والسعودي "تركي الحمد" واللذين اعتقد لو وصلت أعمالهما سيتم الاحتفاء بها بما يليق، واعتقد أنّ كاتبتنا الموهوبة لو لم يصل إبداعها إلى بلاد الغرب وتمّت ترجمته لما علم بها أحد في بلادنا، وإلا كيف هذه الرواية التي أحدثت صدى عالميا لم تعلم بها إلا القلة وهي المنشورة منذ عشر سنوات، مما يبين افتقاد القيمة الادبية للاهتمام والدعم في بلداننا..

أتذكر هنا الجوائز في بلاد بني يعرب، وشبهات المجاملة وما نسمعه عن ضغوط معينة لإيصال وفوز العمل الفلاني أو ما شابه، أعلم أن هنالك جهات تعمل بشكل احترافي لكن بالنهاية علينا أن نعترف بأنّ المجاملات والضغوط والمآخذ بتدخل السياسة وحتى المال لعبت دورا "كبيرا" في فقد الأهمية لجوائز عربية لها اسمها وثقلها، وأكرر بأنّي لا أتهم نزاهة اللجان التي تختار الأعمال، لكني انتقد بعض اللوائح التي تستطيع المجاملات والضغوط اختراقها بسهولة!

كذلك من المضحك أنّ هناك جوائز لا تبحث عن التميّز لتكرمه، بل تطلب من المثقفين أو الذين يرغبون بتكريم أعمالهم التقدم لهم وعرض أعمالهم، أي أنّ اللجنة هي أشبه بلجنة (كونترول اختبارات الثانوية العامة!)، ألا تعلم هذه اللجان أن هناك مثقفين أو كتابا أو باحثين تمنعهم المروءة أو حتى الحياء من التقدم لهذه اللجان أو لجان الفنادق كما أحب أن أسميها!

العمل المميز صعب أن يتقدم لمسابقة أو جائزة، لأسباب تتعلق بعزة النفس والتعفف عن الوقوع في قصة حاجة رجل كريم تعرض على موائد اللئام، وهنا لا أقصد أن اللجان مكونة من لئام، لكني ضد أن يتقدم المثقف بعملة ويعبئ بيانات وممكن يدفع رسوم أيضا" ليدخل في المسابقة، وبعدها يأتي فرمان قد تكون له دواعٍ معينة لفوز عمل أقل كفاءة من الأعمال المتقدمة، لأنّ الفرمان أو المجاملة حسمت ذلك (دور النشر قد تكون إحدى أدوات الضغط!)

ألف مبروك للأدب العربي والخليجي والعماني هذه الجائزة المستحقة، وهذا الإنجاز غير المسبوق، وبإذن الله يحتفل الجميع بوصول الأدب العماني إلى مكانته المستحقة.

alzmi1969@

تعليق عبر الفيس بوك