نبوءة الخليج عام 2040

مسعود الحمداني

بعد حَوَالي عشرين عاما من الآن.. كبُر من كبُر، وصغر من صغر، والخليج -بعد سنوات من حالة اللا حرب واللا سلم- كما هو يُعاني من ابتزاز الدول الكبرى، واستنزاف دوله لبعضها البعض، و"العدو الإيراني" ما زال في مكانه، والأساطيل الأجنبية تجوب سواحل الخليج، بينما لا تُوجد سفينة واحدة للعرب، الأمريكان يحمون، والخليجيون يدفعون، والبقية يتفرجون.. و"البُعبع" الإيراني يُخرج رأسه بين حين وحين، فيرتجف مسؤولو الخليج، ويستنجدون بالبعيد والقريب، ويسحبون من الاحتياطي الإستراتيجي للأجيال لتغطية نفقات الحرب التي لا تندلع، والحرب في اليمن توقفت على جَبهات القتال، لكنَّ أوزارها وجمرها لا يزال مشتعلا تحت الرماد.

قد يكُون السيناريو السابق واحدًا من أسوأ السيناريوهات -المتخيّلة- لإعادة الدول النفطية إلى حجمها الحقيقي الذي كانت عليه قبل ثمانين عامًا، حين كانت مُجرد دويلات لا حول لها ولا قوة، تعيش شعوبها على الكفاف، ويعيش كثيرٌ من حُكامها على المعونات، غير أنَّ الذي سيُضاف إلى المشهد الفائت هو قيام علاقات متينة غير متناسقة مع القادم الجديد إلى الوطن الكبير "دولة إسرائيل"، وهذا يعني أنَّ مصطلح "الوطن العربي" لن يكون له وُجود؛ لأن هناك دولة لا تتكلم العربية ستكون حاضرة، بل ومسيطرة على المشهد، شاء العرب أو أبوا.. وستكون دول الخليج هي الحاضنة الشرعية لهذا الكيان، و"المشرعن" لاحتلال فلسطين، وسيكون الفلسطينيون "أصحاب الحق" بعيدين عن هذا المشهد الغرائبي.. وهذا ما يتم الترتيب له منذ أمد بعيد، رغم التَّصريحات الخجولة التي تنطلقُ من بعض العواصم الخليجية المساندة للقضية في العلن، والمتاجِرة بها في الخفاء، ورغم التبريرات التي يسوقها ويسوِّق لها البعض الآخر للاحتلال، والوعود الاقتصادية الحالمة التي تنتظر الفلسطينيين إذا هم "تنازلوا" عن حقوقهم، وباعوا قضيتهم، وكأنَّ هناك أدوارا مرسومة لهذه الدول تتبعها ولا تحيد عنها؛ لذلك نرى اللهاث الذي أصاب البعض لعقد المؤتمرات (الدولية) نيابة عن الفلسطينيين، وحمْل رسائل إسرائيل والتسويق لها في كل محفل، وفي كل مناسبة، حتى التَبَسَت علينا الرؤية، وبتنا نحسب أن بعض الوزراء العرب أكثر يهودية من اليهود أنفسهم، وحتى تكتمل الصورة البانورامية للمشهد الكليّ السابق وضعت بعض الدول الخليجية منظمات المقاومة والجهاد التي تعادي إسرائيل على قائمة المنظمات الإرهابية، بينما انبرتْ هي للتعاون والتنسيق مع "الإرهابي الأكبر" نفسه!!

الخليج في 2040 سيكون خليجًا مُختلفا، ستزيد نسب الضرائب لتسديد ديون دوله، وسيزداد الخليجي فقرًا، وسيتجمَّد تنفيذ الخطط الإستراتيجية الاقتصادية، وسيصبح الهاجس الأمني ذريعة لكل تدخل وتعاون مع الأجنبي، ولكل اعتقال للمواطن المطالب بحقوقه المشروعة، سيكون خليجًا أكثر إذعانا، وسلطوية، وقمعا، وأقل أمنا، وأعظم انقساما وتكتلا، فما ستفرِزه حرب اليمن لا يُمكن التنبؤ به، وما أحدثته تدخلات الدول الخليجية في الشأن الداخلي لدول المنطقة لا يمكن سدُّه بسهولة، وما أحدثته الحروب من عداوات ستحتاج إلى زمن كي تضمد جراحاتها، وستعمل كثيرٌ من الأنظمة السياسية الخليجية للتمترس خلف مزيد من القوانين المجرّمة لحرية التعبير، والمطالبة بالإصلاحات السياسية منها خاصة.

الحلُّ الوحيد للخروج من هذا المشهد المأساوي الآنف، ومن هذا المأزق الوجودي للدول الخليجية هو في "التوحُّد" خلف قيادات عاقلة تغلِّب مصالح شعوبها ودولها على مصالحها الشخصية، وتعتمد على طاقاتها وإمكانياتها -التي أهدرتها المغامرات الكرتونية- للوقوف من جديد بعزة وهيبة وكبرياء في وجه التحديات التي تعصف بها.. عندها فقط سيعُود احترام العالم لهذه الدول، وسيقف لها إجلالا، ولن يجرُؤ على ابتزازها أو إهانتها حاكم دولة لا يعرف إلا لغة المال والتهديد والوعيد.. وستنجو من فخ العداء المصطنع والمتبادل بينها وبين جارتها على الضفة المقابلة الذي أنهك قواها، وفتت اقتصادها، وجعلها مطية سهلة الركوب والخضوع والابتزاز.