تمخض الجبل فولد فأرا

 

عباس المسكري

 

في خضم التراكمات وتعدد الأسباب وتدوال الأخبار لابد لنا أن نُحدد ماهية توجهنا وإلى أين نحن متوجهون، ومن هذا المنطلق كان حريًا بنا أن نستدرك اللحظة لنبدأ بفرز كل ما تمخضت عنه الخُطط والإعلانات التي كان لها ضجيج كبير على ذهنية المُتابع ودفعت بآماله وطموحاته نحو التفاؤل المرجو من تعزيز هذه المُقترحات والأخبار المتواترة.

وبما أننا اليوم نقف على أعتاب ومشارف لحظة البدء نحو بلورة النتائج المرجوة والمُعدة سلفًا فحري بنا أيضًا أن نُحدد خارطة الطريق التي ينبغي السير عليها بكل وعي وإدراك ومن هذا المنطلق لا أبتغي البدء بطرح الأسئلة، فالوقت الآن ليس وقت تساؤلات ولكن أرغب في الاستفتاح بما يتساءل عنه الواقع ويتصير مع منظومة العقل ليكون المدخل لحقيقة ثابتة نتأبطها واقعا ونتعايش معها كيانا، ولهذا لا أريد أيضًا إساءة الظن وأقول بأنَّ هناك تأخيراً مقصودا وممنهجاً لكل المشاريع التنموية التي أسندت إلى الشركات القادمة من الدولة الجارة، ولكن أرجو أن تكون لدى أحد المسؤولين الشفافية والقُدرة على أن يُشير بأصبعه نحو مشروع واحد أنجز مثلما أريد له وعلى أرض الواقع، لأنه وبكل صدق تعب المواطن من البحث بالمجهر بين زوايا الوطن عن أي مشروع أسند إلى هذه الشركات وأصبح جلياً وواضحاً مشرقاً بالنور.

فإن كانت مُشكلتنا البحث عن المسميات، ونتناسى البحث عن الإنجازات، فهذا دلالة على أننا نبحث عن الكم ولا نبحث عن الكيف نبحث عن المظهر ولا نبحث عن الجوهر، نريد صرف الدواء قبل البحث عن مسببات الداء ولهذا نعمل بدون نتيجة ملموسة على أرض الواقع ولن نذهب بعيدًا فنحن الآن نستخلص النتائج، ولتكن نقطة البدء من خلال ميناء السلطان قابوس فحينما آمنّا بهوية التغيير من الهوية التي كان الميناء عليها إلى ما آل إليه الآن فهذا يكون من ضمن الإستراتيجيات التي تعزز المكانة السياحية، كيف لا وهو يُعتبر من أهم وأشهر الموانئ البحرية بالسلطنة ويمثل أهمية إستراتيجية عظيمة وواجهة سياحية ويعد معلمًا قومياً، فهل يا ترى سيكون مثلما أريد له أن يكون وهل سيكون هذا المعلم بمثابة واجهة ورافد سياحي يُؤتي أكله بعد حين من الصمت الذي جعلنا نتساءل متى سيرى النور.

أم أننا سنكون كمن يُلقي اللوم على هاروت وماروت عندما علما الناس السحر، فإن كان الأمر كذلك فقد لانستطيع مخالفة القول القائل بأنه لو لم تكن الأرضية مبسطة لهما لما استطاعا إغواء النَّاس، لا أريد القول إن الفتق من الداخل ولا يحتاج الآن أن نولول ونصيح كالثكالى على ما طارت به الغربان والتهمته الجرذان، فالبكاء على اللبن المسكوب لا يجدي نفعاً.

فالتوجيهات السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- في عام 2011  كانت واضحة وجلية وذات بعد إستراتيجي عميق إذ أتت الأوامر السامية بتحويل ميناء السلطان قابوس إلى ميناء سياحي ونقل جميع الأنشطة التجارية إلى ميناء صحار الصناعي، وفي نهاية أغسطس 2014 وضعت التوجيهات السامية موضع التنفيذ حيث نقلت الأنشطة التجارية إلى ميناء صحار الصناعي، فسررنا جميعاً كمواطنين متابعين لعجلة النماء والتطور بهذه الخطوة المُباركة.

هل لغة المال كفيلة بصنع ثورة صناعية.. فمن المتعارف عليه أن هناك بعض المشاريع الوطنية التي تندرج تحت مُسمى المشاريع السيادية بما تمثله بقيمتها الوطنية تكون لها الخصوصية التامة في قيمتها وفي كيفية تحقيقها، فهناك مشاريع وطنية من الأولى والأجدى والأنسب أن تبنى بالكامل بمال عُماني خالص فالذي أنا على ثقة كبيرة منه أن بين جنبات البلاد توجد أسماء قادرة على أن تبني المشاريع الحيوية وإنشاء محفظة برقم مُتفق عليه يدار بعقول مطورة وكفاءات قادرة على رفع مستواه ضمن خبراء معتمدين تتم إدارتهم بما يتوافق مع نجاح هذه المشاريع حتى وإن تمَّ تنفيذها على مراحل  أو بأي طرق لا تكون فيها المُغامرة والارتجالية التي تبدأ بالإعلانات الرنانة وتنتهي كالفقاعة.. فهل يعتبر هذا من المعجزات، من وجهة نظري لا إذا فعلا كانت هناك رؤى صادقة ونظرة ودراسة جادة.

لا تنهض البلدان إلا بسواعد وعقول أبنائها فعماننا الغالية تستدعي منا استنهاض ورفع قيمنا لتتناسب مع سمو ورفعتها وهذا إذا ما وضعنا نصب أعيننا أننا لا نبني لأنفسنا وإنما نؤسس لأجيال قادمة يحق لهم أن يواكبوا لحظة النماء ويكملوا المسيرة ويعززوا من قيمتها لينعم جيل بعد جيل ويكون امتدادا للذي سبقه وهذا الأمر ليس بالأمر المستحيل فالكفاءات العمانية قادرة على النهوض بالوطن وإثبات وجودها في كافة المراحل ومن الأولى والأجدى أن نمكن لهم في وطنهم ويكونوا حاضرين في جميع ما يتعلق بتقدمه ونجاح مسيرته.. ونحن ولله الحمد نحظى بكفاءات ومخرجات علمية لا ينقصها سوى منح الثقة والتوجيه ولن تتوانى في تقديم كل ما يُمكنه أن يبرهن قدراتهم وكفاءاتهم نحو إدارة عجلة النمو والاقتصاد بكل تفانٍ وإخلاص مستلهمين قدراتهم من حب هذا الوطن ومكانته في نفوسهم. فما آن الأوان أن يكون لهذا الامتداد واقع في الواقع.

وأخيرا وليس آخرا كل ما علينا اليوم هو المبادرة الجادة بإعادة صياغة مفهوم (الوطن للجميع) لتكون صياغة شاملة تلملم ما تبعثر من أواصر اللحمة بين الحكومة والمواطن فالمواطن الآن يعيش حالة توهان والمسؤول يعيش حالة تخبط ولا نعلم إلى أين ستأخذنا هذه الدوامة أم سنكون كدون كوشت نصارع طواحين الهواء (مسحت الإيجابية من بعض العقول ولابد من إعادتها لأن البعض أصبح يفكر سلبيا وعلينا معرفة الأسباب) وعلى المتشدقين بالوطنية المزحلقة أن يدركوا أن الوطنية ليست ظهورا في المحافل بعمامة وبشت وخنجر، فهي شعور حر في الأعماق وإيمان بأن الوطن خط أحمر وإدراك في الذات بأن مقدرات الوطن والمساس بها ليس انسلاخا سافرا من الوطنية وحسب بل خيانة لا تغفرها كل الديانات.

قائمة المشاريع التي أسندت إلى شركات من الدولة الجارة وأفشلت ولم تر النور طويلة والحديث عنها لا يُصيبنا إلا بغصة نحن في غنى عنها، وبعد كل هذه الخيبات والفشل أليس الأجدر منح هذه المشاريع لشركة عمران كونها الذراع الاستثماري السياحي للحكومة وبها كفاءات قادرة على إدارة هذا الاستثمار وبالتالي لسنا بحاجة لمثل داماك وغيرها من الشركات، ألسنا بعد هذه السنين الطويلة من عمر النهضة بقادرين أن نزرع ونحصد لوحدنا دون الحاجة للغير، فها نحن وبعد طول انتظار تطل علينا شركة داماك منذ أيام بسيطة بالخبر السعيد، مشيرة إلى أن مركز استقبال السياح في ميناء السلطان قابوس سوف يكون متاحاً لهم في العام المقبل، وبعد هذا الانتظار وهذا الخبر لا نستطيع القول إلا تمخض الجبل فولد فأرا.

تعليق عبر الفيس بوك