"جارديان": استمرار الضغط على النظام الإيراني يسمح بتنامي نفوذ المتشددين

ترجمة- رنا عبد الحكيم

ذكرت صحيفة جارديان البريطانية أن استمرار الضغوط الأمريكية على النظام الإيراني من شأنه أن يفتح الباب أمام تنامي نفوذ التيار المتشدد داخل إيران، في وقت يرى كثيرون أن النظام الحالي يطبق سياسات "معتدلة".

وبحسب مقال كتبه بيتر ويستماكوت وهو سفير بريطاني سابق لدى الولايات المتحدة ونشرته الصحيفة، فإن إيران تشكل مجددا محور الاهتمام لدى صقور السياسة الخارجية الأمريكية. وفي الوقت الذي يصرح دونالد ترامب بأنه لا يريد حربًا مع إيران، يرسل مستشاره للأمن القومي جون بولتون، سفنا حربية وقاذفات قنابل إلى منطقة الخليج، تزامنا مع قيام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بتبادل المعلومات الاستخباراتية المثيرة للقلق بشأن النوايا الإيرانية مع حلفائه المقربين وقادة الكونجرس.

ومضى عام على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع إيران والذي تفاوضت عليه إدارة أوباما عام 2015 مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي. ومنذ ذلك الحين وبعد أن شجعته إسرائيل ودول الخليج، أعلن ترامب عن فرض عقوبات جديدة على طهران، على الرغم من امتثال إيران التام لشروط الاتفاق النووي. وبدأ الأوربيون وغيرهم في تطبيق العقوبات الأمريكية من أجل حرمان الإيرانيين من المزايا الاقتصادية التي وعدوها بها.

وبعد عام من الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الأطراف الموقعة الأخرى ستنفذ الاتفاق دون تعاون الولايات المتحدة، أعلن الإيرانيون أنهم لم يعودوا ممتثلين تماما للقيود المفروضة على اليورانيوم والمياه الثقيلة المذكورة في الاتفاق، وذلك ما لم يساعد الأوربيون في بيع النفط وحماية القطاع المصرفي الإيراني، وقدمت مهلة لمدة 60 يوما وقالت إنها ستتخذ مزيدا من الإجراءات الصارمة إذا انقضت المهلة دون تغير يذكر.

ويقول ويستماكوت في مقاله إن الحكومات الغربية تنسى أحيانا أن الحكومة الإيرانية ليست كيانا مترابطا، وأن المسؤولين الذين اعتادوا التعامل معهم، مثل الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، يتعرضون لضغط مستمر من المتشددين الذين يشيرون إلى عدم ضرورة عدم التراجع عن أي قرار.

ويضيف كاتب المقال أنه منذ انسحاب ترامب، عمل الأوربيون على مخطط للسماح لبعض أشكال التجارة مع إيران بالاستمرار بشكل مستقل عن الولايات المتحدة. لكن آثار خطتهم كانت محدودة مما دفع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئي إلى اقناع نفسه -خطأً- بأن الأوروبيين كان يقوموت فقط بدور الشرطي الملتزم لواشنطن. ومع استمرار العقوبات الأمريكية في إلحاق الضرر بالاقتصاد الإيراني، يقول ترامب أنه لا يزال مهتما بإبرام صفقة مع إيران داعيا المسؤولين في طهران للاتصال به.

ويستدرك الكاتب قائلا إن انطباعا خارج الولايات المتحدة يتنامى بأن الصقور من مساعدي الرئيس الأمريكي يهتمون بتغيير النظام أكثر من تغيير السياسة، وبالقوة العسكرية إذا لزم الأمر. ويضيف الكاتب أنه من غير المعقول أن ندعي كما فعل بومبيو الشهر الماضي أن "هناك صلة بين جمهورية إيران الإسلامية وتنظيم القاعدة". فجذور تنظيم القاعدة سنية، وهذا التنظيم يكره إيران التي تتبنى المذهب الشيعي بقدر ما تكره الولايات المتحدة وحلفائها.

ويوضح الكاتب أن الأوروبيين لم يوافقوا أبدا على أنشطة إيران في منطقة الشرق الأوسط، لكنهم لا يقرون حجة تغيير النظام، إذ يدركون أن الضغط الخارجي من المرجح أن يزيد المتشددين قوة بدلا من إضعافهم، كما إنهم لا يزالون يعتقدون أن أفضل طريقة لمنع امتلاك إيران للأسلحة النووية هو الالتزام بالاتفاق.

ويرى الكاتب أن ثمة خطر حقيقي ماثل في أن يجد العالم نفسه في صراع شرق أوسطي جديد "بالصدفة" أو نتيجة لسوء التقديرات، متسائلا: ماذا على إيران أن تفعل إذن؟ ويقول إنه ينبغي على إيران أن تساعد الآخرين في الدفاع عن الاتفاق النووي عن طريق تخفيف سلوك إيران في المنطقة مثل التوقف عن تزويد حزب الله في لبنان بالأسلحة، والتوقف عن تزويد الحوثيين في اليمن بالصواريخ. ويضيف أنه يمكن لإيران أن تستخدم نفوذها للضغط على الرئيس بشار الأسد لتجنب سفك مزيد من الدماء في سوريا، ويمكن أن تضع حدا لسجن وإساءة معاملة المواطنين الإيرانيين ومزدوجي الجنسية لأسباب مضللة.

ويشير البعض إلى أن التوترات الحالية قد تكون جزئيا ناتجة عن سوء التفاهم بين طهران وواشنطن. وهذا ليس أمرا مفاجئا، نظرا للتاريخ الطويل من عدم الثقة وقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ 40 عاما. لكن وجود بعض أشكال الاتصال المباشر بات أمرا ضروريا، ويجب على الجانبين التحرك سريعا وتفعيل قنوات الاتصال الخاصة بينهم.

ويشير الكاتب إلى أنه في عام 1987 أصدر مجلس الأمن قرارا يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إيران والعراق والانسحاب إلى الحدود الدولية. لكن هذا القرار فشل في منع صدام عن شن هجوم آخر. لكن الفقرة الثامنة من مشروع القرار المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة وقتئذ نصت على "أن يدرس بالتشاور مع إيران والعراق ومع دول أخرى في المنطقة، تدابير لتعزيز أمن المنطقة".

ويكشف كاتب المقال أن هذا القرار لا يزال ساري المفعول، متسائلا: لماذا لا يتم النظر مرة أخرى إلى فكرة أن جمعيع القوى الإقليمية- تحت رعاية الأمم المتحدة- تجتمع بهدف خفض التوترات؟

واستشهد الكاتب في ختام مقاله بما ذكره الأكاديمي السعودي عبد العزيز صاغر وحسين موسويان المفاوض الإيراني النووي السابق، في مقال مشترك لها نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" يقولان فيه إنه حان الوقت لكي يجلس الخصمان الكبيران في المنطقة- السعودية وإيران- لمحاولة دفن الأحقاد، واعتبر الكاتب أن ذلك الأمر "يستحق المحاولة".

تعليق عبر الفيس بوك