"فورين بوليسي": انسحاب أمريكا من "اتفاقية المناخ" يوفر غطاءً للدول الملوثة للعالم

ترجمة- رنا عبد الحكيم

اعتبرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ من شأنه أن يوفر غطاءً لأكثر الدول تلويثا للمناخ في العالم.

وأصدر مجلس النواب الأمريكي تشريعات هذا الشهر تهدف إلى منع انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق الذي أبرم عام 2016، وتفويض الولايات المتحدة بوضع استراتيجية لتحقيق الالتزامات التي تعهدت بها بموجب هذا الاتفاق.

ومن غير المرجح أن يمنح مجلس الشيوخ- الذي يسيطر عليه الجمهوريون- الضوء الأخضر لترامب للانسحاب من الاتفاق. ومن المتوقع أن يبدأ ترامب في إجراءات الانسحاب في نوفمبر المقبل، وينسحب رسميًا من باريس بعد يوم من انتخابات عام 2020. فكل الدلائل تشير إلى أن هذا هو هدفه. ففي خطاب له في يونيو 2017، أعلن ترامب عن نيته بالانسحاب من الاتفاقية، قائلاً إن تلك الاتفاقية "تعاقب" الولايات المتحدة مع فرض "التزامات غير مجدية" على الملوثين الرئيسيين للمناخ؛ مثل الصين والهند، والتي ستستفيد من الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أيده العديد من الجمهوريين، بمن فيهم السيناتور تيد كروز وزعيم الأغلبية ميتش ماكونيل، متعللين بأن الدول الأخرى حصلت على صفقة أفضل.

وقبل اتفاقية باريس، فشل العالم في التوصل إلى اتفاق عالمي لمواجهة تغير المناخ على الرغم من المحاولات التي أجريت على مدى عقود. وثمة أسباب معقدة وراء ذلك، لكنها تتلخص في مشكلتين أساسيتين؛ أولا: تغير المناخ ناجم عن مشكلة تنسيق هائلة، فلدى كل بلد حافز اقتصادي لاستثمار أقل في تقليل الانبعاثات، الأمر الذي يتطلب- مثل أي استثمار- نفقات على المدى القريب لتحقيق مكاسب طويلة الأجل، وفوائد اقتصادية محلية مثل خفض تكاليف الطاقة وتحسين جودة الهواء، وفوائد عالمية ستتحقق من معالجة تغير المناخ. وتأمل البلدان الحرة في أن يفعل الآخرون مجتمعين ما يكفي لاحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري.

ثانياً: حتى في حال تضافر جهود الدول مجتمعة، فإنها قد لا توافق على أي التزام بضخ مزيد من الاستثمارات لتحويل اقتصاد إلى نموذج أكثر استدامة. ذلك لأن البلدان المتقدمة هي المسؤولة في الغالب عن الاحتباس الحراري حتى الآن، لكن الاقتصادات الناشئة سوف تمثل غالبية الانبعاثات المستقبلية مع تحقيقها للتقدم. ولهذا السبب تم تصميم اتفاقية باريس لتجنب فرض التزامات مرهقة على أي بلد، بما في ذلك الولايات المتحدة، أو لمعاقبة أي دولة وقعت على الاتفاق.

ولحل المشكلة الأولى، أعطت الاتفاقية الأولوية لإشراك جميع البلدان كخطوة نحو عمل منسق حقيقي. وقد فعلت ذلك من خلال فرض التزامين رئيسيين من جميع الموقعين؛ هما: تحديد "مساهمة محددة على المستوى الوطني"، أو هدف خفض الانبعاثات، كل خمس سنوات، والموافقة على تدابير شفافية إلزامية حتى يمكن للعالم تقييم ما إذا كان بلد ما قد أوفى بوعوده.

وللتخفيف من مشكلة تخصيص الاستثمار مقدما، يسمح الاتفاق للبلدان بتحديد مساهماتها بناءً على ظروفها. وحثهم على أن يكونوا طموحين، لكن الاتفاقية لم تطلب شيئا محددا، ولا تفرض عقوبات ملموسة على البلدان التي يثبت تقصيرها، ما دامت تُبلغ عن إحرازها تقدما في التحول نحو نماذج الاستدامة. ولمساعدة البلدان النامية على تحقيق أهداف أكثر طموحًا تساعد الجميع، أنشأت اتفاقية باريس صندوقًا للمناخ الأخضر للمساعدة في تسهيل "الاستثمار في التنمية المنخفضة الانبعاثات والتأقلم مع المناخ"، والتي وافقت الدول المتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة، على الاستفادة من هذا الصندوق.

إذن لماذا يعتقد ترامب أن اتفاقية باريس "غير عادلة" بالنسبة للولايات المتحدة؟ جوهر حجته هو أن الدول الأخرى، وخاصة الصين والهند، اللتان يمكن أن تستفيدان من الإجراءات الأمريكية.

ويشير ترامب إلى أنه يُسمح للصين بزيادة انبعاثاتها حتى عام 2030، وأن الهند طلبت "مليارات ومليارات الدولارات" للدخول في الاتفاق، بينما لا تحصل الولايات المتحدة على أي شيء.

صحيح أن الصين قد التزمت بذروة انبعاثاتها بحلول 2030، لكنها التزمت أيضًا بخفض كثافة الكربون في اقتصادها إلى 60-65% دون المستوى المتحقق في عام 2005، وبأكثر من ضعف نصيب الطاقة الخالية من الكربون في الاقتصاد بأكمله خلال نفس الفترة الزمنية. وسيتطلب ذلك من الصين ضخ باستثمارات هائلة في الطاقة النظيفة، في وقت تلتزم فيه البلاد بالفعل بتوفير الطاقة النظيفة بنسبة 50% بحلول عام 2030 اعتمادًا بشكل أساسي على التوسع الشديد في طاقة الرياح والطاقة الشمسية. كما التزمت الهند بخفض كثافة الانبعاثات في اقتصادها بنسبة 33-35% عن مستويات عام 2005 بحلول 2030، وتعمل بجدية في هذا السياق، بما في ذلك إنشاء محطات الطاقة المتجددة بوتيرة متسارعة. أما المكسيك، جارة الولايات المتحدة وشريكها التجاري الوثيق، فقد تعهدت بأن تصل ذروة انبعاثاتها في عام 2026 ثم تتراجع تدريجيا. وبالمقارنة، وعدت الولايات المتحدة بخفض الانبعاثات إلى 26-28% دون مستويات عام 2005 بحلول عام 2025.

لكن ماذا عن "صندوق المناخ الأخضر"؛ حيث ستذهب "مليارات ومليارات" المساعدات الأمريكية لحث الدول الأخرى على تخفيض الانبعاثات؟ عندما تولى ترامب منصبه، كانت الولايات المتحدة مدينة بملياري دولار من 3 مليارات دولار وعدت بها لصالح الصندوق. وهذا أقل من ربع الأموال التي سعى الرئيس إلى تحويلها عن مصادر أخرى لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

غير أن الأهم من ذلك، أن هذه الأموال تمثل نقطة في بحر تكاليف تغير المناخ. ففي شهر مارس، طلب سلاح الجو الأمريكي مبلغ 5 مليارات دولار لإصلاح الأضرار التي سببها الطقس لقاعدتين فقط خلال الأشهر الستة الماضية. ولا تزال الأضرار التي لحقت بالمدنيين أكبر، فقد تسببت حرائق الغابات في كاليفورنيا العام الماضي في أضرار بلغت 9 مليارات دولار. والأسوأ من ذلك، أن التقييم الوطني للمناخ لعام 2018- وهو تقرير كتبته 13 وكالة فيدرالية- يتوقع أن تغير المناخ قد يكلف الولايات المتحدة مئات المليارات من الدولارات كل عام مع نهاية القرن الحالي. وأمام هذه الحقائق، فإن أي شركة متخصصة ستستثمر ملياري دولار إذا حصلت على تعهدات بشأن المناخ ودفعت كبار الملوثين في العالم لمواجهة هذا التحدي.

أما انسحاب ترامب من تلك الاتفاقية سيوفر غطاءً لدول الانبعاثات الكبرى مثل الصين والهند، مما سيبطئ جهودهم لخفض التلوث. وما زال الأمر الأكثر إثارة للسخرية أنه بعد سنوات من رفض التغير المناخي، يجادل ترامب والعديد من الجمهوريين بأن السبب وراء عدم بقاء الولايات المتحدة في اتفاقية باريس هو أن الدول الأخرى لا تقوم ما يكفي لمواجهة التحدي، رغم أن واشنطن لا تزال غير راغبة في الالتزام باتخاذ خطوات جادة في عقر دارها للحد من تلوث الكربون.

وتختتم المجلة تقريرها قائلة إنه لحسن الحظ، أن هناك بالفعل اتفاقية مرنة وقائمة على الشفافية تشجع جميع البلدان على اتخاذ إجراءات طموحة لمواجهة تغير المناخ، وهي "اتفاقية باريس"، التي تعد أول اتفاق عالمي من نوعه على طريق عملي لمواجهة تغير المناخ.

تعليق عبر الفيس بوك