"واشنطن بوست": "صفقة القرن" تنذر بإعلان وفاة "حل الدولتين"

ترجمة- رنا عبد الحكيم

اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن ما يسمى بـ"صفقة القرن" بين الفلسطينيين والإسرائيليين تنذر بإعلان وفاة "حل الدولتين"، وتأكيد على اختيار الإدارة الأمريكية الوقوف في صف اليمين الإسرائيلي الذي يسعى لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وبناء وطن بديل لهم.

ويوضح ويليام ج. بيرنز رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ونائب وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، في مقال له بالصحيفة، أن السياسة الخارجية الأمريكية تعتمد على طريقتين في التعامل مع الأزمات، الأولى تستند إلى وضع أطر للعمل، فيما ترتكز الثانية على اقتراح البدائل، وعندما يتعلق الأمر بوضع خطط للسلام العربي الإسرائيلي، فإن الخيار الأول يكون النظر في البدائل وطرحها للنقاش.

ويرى الكاتب أن ما يسمى بـ"صفقة القرن" التي وضعها الرئيس ترامب، في حال تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة كما وعد، وفي أعقاب تصاعد وتيرة العمليات العسكرية في غزة مؤخرا، فمن المحتمل أن تكون النتيجة مختلفة تمامًا؛ ستكون الصفقة بمثابة إعلان وفاة حل الدولتين.

وبحسب بيرنز، لم يبتكر ترامب ولا صهره جاريد كوشنر كبير مستشاري البيت الأبيض، فكرة حل الدولتين التي تتآكل تدريجيا منذ سنوات، كما إنهما لم يكونا مسؤولين عن انشغال القادة في منطقة الشرق الأوسط باهتماماتهم السياسية قصيرة الأجل، لكن يبدو أن ترامب وكوشنر يتحركان من خلال مجموعة من الافتراضات والأوهام الخاطئة.

ويقول الكاتب إن الافتراض الأول يتمثل في الاعتقاد بأن الإدارة الأمريكية قادرة على المناورة مع الفلسطينيين حول التفاوض على اتفاق سلام، فقد تخلت واشنطن فعليا عن الحوار مع القيادة الفلسطينية وأهملت مخاوف الفلسطينيين، وتبنت- بدلا من ذلك- أجندة اليمين الإسرائيلي. وقد تجلى ذلك مع قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وإغلاق قنصلية القدس الشرقية المكلفة بالتعامل مع الفلسطينيين والحد بشكل كبير من برامج المساعدات الإنسانية، فضلا عن التغاضي عن التوسع الاستيطاني، وكذلك الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، والتلميح إلى أن الإدارة الأمريكية مستعدة لتكرار هذا الاعتراف مع الضفة الغربية.

ويضيف أنه خلال ثلاثة عقود ونصف من خدمته في الحكومة الأمريكية، لم ير قط رئيساً أمريكياً يتنازل بهذا القدر في فترة قصيرة للغاية.

واعتبر الكاتب أن زيادة المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول العربية أمر جيد وهدف طويل الأمد للسياسة الأمريكية، لكنه ليس بديلا عن الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يتعاملون مباشرة مع بعضهم البعض. وأيا كان ما قد يهمس به القادة العرب على انفراد مع المسؤولين الأمريكيين، فثمة فرصة ضئيلة لتقديم دعم جاد لأي خطة سلام لا تتضمن طريقاً موثوقا به لإقامة دولة فلسطينية.

أما ثاني الافتراضات، حسب بيرنز، فإنه من الوهم الاعتقاد بأن الآمال المشروعة للفلسطينيين في الكرامة والحقوق السياسية وإقامة دولة مستقلة- حتى لو كانت مقيدة بمخاوف أمنية إسرائيلية- يمكن شراؤها عبر حوافز اقتصادية، فإذا كانت هذه المشكلة يمكن حلها بحفنة من الدولارات، لكان قد تم حلها منذ فترة طويلة، وحتى لو كان المال هو الحل، فليس من المحتمل أن تقدم الولايات المتحدة أو دول الخليج العربية التمويل الهائل المطلوب لإقامة دولة فلسطينية.

وثالث افتراض- يقول بيرنز- إنه من الخطورة افتراض أن الوقت في صالح الولايات المتحدة، وأنه في نهاية المطاف يمكن إرغام الفلسطينيين على قبول ما هو "أقل من دولة"، دون أية أدوار مستقبلية لإسرائيل، فكل ذلك سيؤدي حتما لمزيد من الاضطرابات والمآسي الإنسانية. وبالنظر إلى الحقائق الديموغرافية، ومع ظهور العرب كأغلبية في الأرض التي تسيطر عليها إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، فهذا يعني كذلك تآكل مفهوم الدولة اليهودية. وهذا بدوره سيكون له عواقب وخيمة على التحالف الأمريكي الإسرائيلي.

ويختتم مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق المقال قائلا إنه لا ينبغي التقليل من احتمال وقوع مخاطر عن صفقة القرن، فالأردن- الشريك الأمريكي المعتدل الموثوق به في منطقة تتقلص فيها مساحة الثقة- سيجد نفسه في موقف صعب للغاية إذا مات حلم الفلسطينيين في أن يكون لهم دولة، وفي المقابل يحي اليمين الإسرائيلي فكرته القديمة بتصدير الطموحات الوطنية الفلسطينية إلى الجانب الأخر من نهر الأردن. وقال إن الشرق الأوسط سيبقى أرض الخيارات السياسة السيئة للولايات المتحدة، لكن ثمة فارق بين وجود خيارات سيئة واتخاذ خيارات سيئة، ويبدو أن أوهام "صفقة القرن" جزء من الغطرسة الأمريكية، وأن أخطر اقتراح للجميع يتمثل في وجود طرف يتعمد القيام بإجراءات تجعل من المستحيل إحياء الآمال في قيام تطبيق حل الدولتين.

تعليق عبر الفيس بوك