الولايات المتحدة تعيد إنتاج لعبة "التهديد طريقا للتفاوض الإجباري"

ترامب يدق طبول حرب لا يُريدها!

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 

 

  • هل يتحمل الخليج كُلفة نسخة جديدة من حرب ناقلات البترول؟
  • ترامب يمارس "ابتزازا متزامنا" على 3 جبهات في الخليج والصين وكوريا الشمالية
  • شواهد تثبت أن ترامب يستهدف "تفاوضا إجباريا"؛ وليس حربا لا يرغبها ولا يقدر عليها

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي

 

من جديد؛ تُعيد الولايات المُتحدة الأمريكية "خلط الفعل برد الفعل"؛ فتبرر إرسال حاملات طائراتها وقاذفاتها إلى مياه الخليج العربي بورود "مؤشرات وتقارير" – غير موثقة - عن هجوم إيراني مُحتمل على قواتها ومصالحها في المنطقة؛ وحين ترد إيران على استعراض القوة و"الحرب النفسية" بالتلويح بورقة الاتفاق النووي؛ تُعيد الماكينة الإعلامية الأمريكية تصوير المشهد وكأن الفعل الأمريكي المفاجئ هو مجرد رد فعل على التهديدات الإيرانية؛ وليس العكس.

فجأة؛ وجد الجميع أنفسهم أمام أسئلة بديهية تعيد إلى ذاكرتهم سنوات من الخراب غير المُبرر في المنطقة: هل تعود الحرب إلى مياه وشواطئ الخليج من جديد؛ مع ضجيج وصول حاملات الطائرات والقاذفات الأمريكية؟ وهل تتحمل أمريكا ودول الخليج؛ بل والعالم كله؛ كُلفة إعادة إنتاج حرب ناقلات البترول التي دفع الجميع ثمنها في ثمانينيات القرن الماضي؟ وهل تدرك النوافذ الإعلامية التي تمولها دول إقليمية أنَّ الحرب التي يبشّرون بها؛ بل ويحرّضون عليها؛ لن يدفع ثمنها طرفاها فقط؛ وإنما ستتدفّق دماؤها في مياه الخليج كله، ومنه إلى المحيط؛ فهل الجميع مستعدون للغطس في هذه "المياه الحمراء" الآن؟

ظاهريا؛ نلتمس إجابات "نصف مطمئنة" في تصريح لمستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون؛ قال فيه إن بلاده لا تسعى إلى الحرب مع إيران.. "لكننا بهذا التحرك نثبت أننا مستعدون للرد على أي هجوم، سواء أكان من وكيل، أو من الحرس الثوري الإيراني، أو من قوات الجيش النظامية".

حرب لا يرغبها ولا يقدر عليها

فهل هو محض استعراض للقوة؛ يهدف في النهاية إلى إجبار طهران على اللجوء إلى طاولة المفاوضات من جديد؛ لكن على طريقة "ترامب" هذه المرة؟ حيث لا استعانة بوسطاء أو ميسّرين لإتمام اتفاق نووي جديد بشروط يرضاها ترامب غير تلك التي ارتضاها سابقاً الرئيس باراك أوباما والشركاء الأوروبيون.

ربما تشير تصريحات ترامب نفسه إلى ذلك المعنى؛ إذ قال الرجل بكل "عنجهية" ووضوح إنه "يرغب في أن يتصل به الإيرانيون"؛ وليس العكس؛ زاعمًا أنه منفتح على إجراء حوار مع القيادة الإيرانية، مضيفًا أن وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، كان قد أخبر الإيرانيين بأنَّه لا ينبغي عليهم الاتصال به، بينما هو – أي ترامب - يرى أنه "ينبغي على الإيرانيين الاتصال أولاً؛ وإن فعلوا فنحن مستعدون لعقد محادثات معهم"!

وإمعانًا في "المُكابرة" نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مصادر دبلوماسية أمريكية قولها إن البيت الأبيض حدد رقما هاتفياً خاصًا، في حال أرادت إيران الاتصال بترامب عن طريق سويسرا؛ حيث لا توجد أي علاقات دبلوماسية بين أمريكا وإيران منذ العام 1980، وتقوم سويسرا بدور رعاية المصالح الأمريكية لدى طهران؛ كما تؤمّن جنيف قناة اتصال دبلوماسية بين البلدين.

ما يمكن وصفه بـ"الدلال الأمريكي"؛ كان قد اعتاد ترامب مُمارسته في أكثر من موقف؛ بما في ذلك تصريحه في يوليو الماضي حول استعداده لمقابلة روحاني دون شروط مسبقة لمناقشة كيفية تحسين العلاقات؛ مع استخدام صيغة شَرطية ذات دلالة: "إذا أرادوا أن نلتقي .. فسنلتقي".

فهل يتعامل ترامب مع شأن دولي قد ينحدر إلى مستوى اندلاع الحرب على طريقة "المراهقين المتخاصمين": مَن يأخذ الخطوة الأولى؟ بدلا من بحث آلية التفاوض والنتائج المرجوة منه؛ بمنطق عملي قابل لإرضاء الأطراف المعنية كافة.

على الشاطئ الآخر؛ رفض مسؤولون إيرانيون وقادة عسكريون عرض ترامب باعتباره "حلماً بلا قيمة"؛ مؤكدين تناقض تصريحاته مع تحركه لإعادة فرض العقوبات وتحريك القطع العسكرية. وهو موقف متوقع ينسجم مع تصريحات سابقة للرئيس الإيراني حسن روحاني في نهاية 2018؛ حيث قال إن الولايات المتحدة قامت بـ 11 محاولة لبدء مفاوضات مع بلاده خلال عامين، قوبلت جمعيها بالرفض من طهران في ظل تمسك واشنطن بشروط تفاوضية لا تراعي أي أوضاع على أرض الواقع؛ خصوصًا في ظل وضع الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء للجماعات الإرهابية الأجنبية؛ وما خلّفته العقوبات الأمريكية من تدهور في الاقتصاد الإيراني؛ وانخفاض قيمة العملة إلى أدنى مستوياتها، ومضاعفة نسبة التضخم 4 مرات.

تقول طهران إنها تخففت من قيودها في ظل الاتفاق النووي الذي أبرمته في العام 2015 حتى تجد طريقاً لتجاوز العقوبات الأمريكية المتجددة، وهو ما تراه واشنطن: "محاولة للابتزاز"؛ بدلاً من اعتباره رد فعل متوقع. وقال الرئيس روحاني إنَّ بلاده ستُواصل تخصيب مخزون اليوارنيوم في الداخل؛ بدلاً من بيعه إلى الخارج؛ مهددا باستئناف إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب خلال 60 يوماً. وأبلغت إيران الدول الموقعة على الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، وهي (فرنسا وألمانيا وروسيا والصين وبريطانيا) بقرارها؛ مشيرة إلى أنَّ "الأمر الآن متروك للقوى الأوروبية للتصرف". ومن جانبها نددت روسيا بالضغط الأمريكي على طهران؛ مُؤكدة أنها تقف مع الاتفاق النووي الإيراني و"لا بديل آخر له في الوقت الراهن".

 

3 وقائع متزامنة لـ"الابتزاز الأمريكي"

 

يعيد ترامب إنتاج اللعبة الأمريكية القديمة/ الجديدة في الخليج؛ وعلى كل جبهات "الابتزاز الأمريكي": يخلق "عفريتا افتراضيا" ويحشد كل شيء بدعوى مواجهته؛ وليقينه بعدم وجود العفريت أصلاً؛ يبقى مطمئناً إلى أن استعراضه للقوة في كل مرة لن ينتهي إلى مواجهة فعلية؛ لا يرغبها ولا يقدر عليها ميدانيا.

ولتأكيد الإشارة إلى أسلوب ترامب في "فرض التفاوض" باللجوء إلى مزيد من الضجيج بلا طحن؛ ما شهدته الأيام القليلة الماضية من عدة أحداث متزامنة على أكثر من جبهة؛ تعبر تماماً عن أسلوب ترامب وغاياته؛ التي ليس من بينها حرب ميدانية:

بالتزامن مع التصعيد الأمريكي ضد إيران؛ ألغى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو زيارة إلى برلين؛ ليقوم بزيارة مُفاجئة إلى العراق استمرت لأربع ساعات فقط؛ معلناً ارتباط الزيارة بالتصعيد الأخير؛ موضحاً أن غرض لقائه مع رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح طمأنتهم ومساعدتهم على أن يكونوا أقل اعتمادا على صفقات الطاقة مع طهران.

وبالتزامن أيضًا؛ احتجزت الولايات المُتحدة سفينة شحن كورية شمالية متهمة إياها بخرق الحظر المفروض على البلاد؛ وهي المرة الأولى التي تحتجز فيها الولايات المُتحدة سفينة شحن كورية شمالية بداعي خرق الحظر الدولي وسط عودة التوتر في العلاقات بين البلدين بعد أسابيع من التفاوض المُباشر بين زعيمي البلدين؛ وقد برر ترامب ذلك بقوله: "أعلم أنهم يريدون التحاور ويتحدثون عن المفاوضات؛ لكنني أرى أنَّهم ليسوا مستعدين بعد لخوض هذه المفاوضات".

وبالتزامن للمرة الثالثة؛ قرر ترامب رفع نسبة التعريفات الجمركية إلى أكثر من الضِعف على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الصينية، في تصعيد حاد للحرب التجارية المشتعلة بين الدولتين؛ فتعهدت بكين بالرد بالمثل. وقد جاء ذلك بينما يُحاول مسؤولون رفيعو المستوى من الجانبين إنقاذ الاتفاق التجاري في واشنطن؛ حيث بدا في الآونة الأخيرة وكأن الولايات المتحدة والصين اقتربتا من إسدال الستار على شهور من التوترات التجارية؛ ولا يزال الدافع وراء اتخاذ ترامب تلك الخطوة المعاكسة غير واضح.

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك