فاطمة الحارثية
أخذ زمام الأمور والمبادرة في ساعات الذروة أو الخطر لا تُترجم ميولًا قيادية، وإن أظهرت النتائج قُدرة وذكاءً قياديًّا؛ فالقدرة أمر والرغبة أمر آخر؛ فمن اليسير اعتلاء السلطة، ولكن القليل جدًّا من يستطيع القيادة؛ بمعنى وجوب اجتماع الذكاء والقدرة على القيادة مع الرغبة في تعميم الصالح العام والفائدة.. ويبرهن نفع القائد الجماعة دون الافراد، عكس الرئيس أو المدير الذي يبرهن نفع الأفراد دون الجماعة.
- سيدي المدير، أنا أستطيع أن أقود الفريق؛ لذلك عليك أن توقع على أوراق ترقيتي.
- لا أرى ودًّا بينك وبين زملائك، فكيف تستطيع قيادتهم.
- بمُجرد علمهم بأنني مديرهم سيخضعون وينفذون أوامري.
- هل القيادة إخضاع وأوامر.
- نعم.
على رسلك عزيزي القارئ، لا تصدر أحكاما فهو شاب في أواخر العشرين من عمره، ولا بد أنه استسقى فكره من أحدهم.
- لم أقل له ذلك...
ومن اتَّهمك أيها المسؤول؟ أم أن نُكر الجريمة دون اتهام إثبات؟!
- وهل أنتِ مُحقَّة؟
ما رأيك عزيزي القارئ بعقد محاكمة...
- أنا لم أفعل شيئًا لتحـ...
انظُر من حولك أيُّها المسؤول، هل الموظفون من حولك في ود وطاعة وخنوع لك أم لكرسيك؟ قبل أن تبادر بالرد، فكَّر مليًّا ولا تستبق الرد بأنَّ العمل واجب ولا علاقة للمشاعر والعواطف أو حتى العلاقات بالنجاح والأداء.
ما قولك عزيزي القارئ؟
- العمل شقَّان: شق واجبات وأداء، وشق أجر وثواب؛ أي يُؤجر بالمال في أدائه، والثواب ورضا الله في التزامه وأمانته وتعبه وإخلاصه.
ما رأيك أيُّها المسؤول؟
- عليه الطاعة التامة، فأنا أعلم منه وإلا لما أصبحت مسؤولا عليه. وأنا أتحمَّل تبعات أوامري. الموظف الممتاز هو الموظف المطيع طاعة عمياء؛ لأنه يريد الترقية والعلاوة السنوية.
وهل ستدوم على كرسيك؟ لا تَزرُ وازرةً وزرَ أخرى أيها المسؤول.
عزيزي القارئ، لا أرى طائلًا من عقد أية مُحاكمة مع هذه الفئة من المسؤولين؛ لأنَّها مضيعة للوقت والجهد.
- نعم صدَقتِي؛ فالخطأ لا يقع عليه وحده، بل أيضا على من وضعه على كرسي المسؤولية، أرى أنَّ المحاكمة العادلة واجب أن تشمل المسؤول ومن وضعه مسؤولا وسلَّطه على رقاب الناس وأعطى الأمانة لغير أهلها.
----------------------------
رُبَّما أعلاه يحملُ بين السطور معاني كثيرة وعميقة، يسأل الكثير عن أهمية تنويع مصادر الدخل وفتح أبواب الاستثمار، ليقابل هذا النداء بخطط ومجلدات من الجمل المتراصة، بلا واقع ملموس حقيقي له، يُذكِّرني بكتاب تفسير ابن سيرين حجمًا. إنَّ تكرار الحلول ذاتها في كل مرة لهو هدر للكثير، أنْ نأتي على أزمات تُظهر لنا جليًّا إخفاقَ بعض المسؤولين لتنسب تلك الإخفاقات إلى صغار الموظفين الذين أخذ الطموح منهم كل مأخذ، وصدقوا قول "الموظف الممتاز هو المطيع طاعة عمياء"، ليس بالمنصِف لهذه الأرض الطيبة التي أولت كلَّ اهتمامها من أجل رخاء من عليها.
تعدَّدتْ أساليب القيادة واختلفت وأصبح لها مدارس ومناهج كثيرة، لكنَّ ثمة تغيُّبًا غير مبرر للكوادر التي هي جوهر هذا الاتساق؛ فمعظم النظريات والتطبيقات أجمعتْ وركَّزت على أهداف وإستراتيجيات وخطط الإنتاج والربحية، لتسقط المنجزات بهفوات وأخطاء بسيطة رغم التقنيات العالية التي تستخدم في المشاريع والمؤسسات والشركات وحتى الدوائر الحكومية. في الجانب الآخر نجد أن بعض الشركات الناجحة عالميا استثمرت أكثر في كوادرها، وقامت بدراسات منهجية عن بيئة العمل وتحاليل عملية وعلمية (لم نُعِرها اهتمامًا) لتعتلي قائمة المؤسسات والشركات الأكثر نجاحا على مستوى العالم. المثير للسخرية أنه حتى الإعلام لدينا يسلط الضوء على المسؤولين محليًّا وعالميًّا، ويُبهرون الناس بهم على تغيُّب غير مبرر أن النجاح اتساق بين الكوادر العاملة والاستثمار التقني والمالي، أي بيئة وثقافة عمل منتجة، وأنَّ المسؤول ليس إلا موظفا آخر في محيط العمل كيفما كان مُسمَّاه الوظيفي، ويتقاضى أجرًا مثله مثل أي موظف. ونرى أنَّ الجهات المختلفة لم تُعِر دور العامل أو الموظف أكثرَ من مجرد تدوين حقوق مالية أساسية لا تفيد نهضتنا بشيء، وإن أسهب في تلك المدونة أضاف صِيغًا عجيبة مثل: لا تفعل، ممنوع، لا يُسمح... وأين أيها المدونون أفعالًا مثل: كُن، افعل، احرص، بادر، اعطِ...؟ نُبدع في التهويل والتخويف دون أن نركز على الإرشاد والتوجيه والتعليم.
*****
رسالة
النجاح لا يكمُن بين يدي مسؤول ما حتى وإن كان مديرا مستوردا إلينا أو دراسات منقولة، بل هو فكر وثقافة بقيم ومبادئ إنسانية تعزف على أوتار النجاح والاستدامة.
لن نجد دفءَ العيش بعيدا عن الكرامة والمودة. لك كل الولاء والود يا وطني يا تاريخ الأمجاد ورائحة عطر الأجداد.