بذخ في مساجدنا

حمود بن علي الحاتمي

جُبل الإنسان العماني على العناية ببيوت الله تعالى ببنائها والتفنن في نقوشها وزخرفتها وجعل الوقف لاستدامة تمويلها والاهتمام بصيانتها طلبًا لرضا الله سبحانه وتعالى.

ومع زيادة التطوّر العمراني تمّ إنشاء العديد من المساجد والجوامع بعضها تمّ عن طريق الحكومة والآخر كان من تبرعات أهل الخير وظلّ المسجد يؤدي دوره التربوي من خلال الدروس والحلقات الدينية ويمثل ميدانا تطبيقيا عمليًا للكثير من القيم الاجتماعية وأهمّها التواصل بين الناس.

وشهد بناء المساجد تطورا من حيث التخطيط الهندسي ليشمل الخدمات المتنوّعة ومنها المكتبات وغرف الأئمة ومخازن وملحق لمصليات النساء فضلا عن دورات المياه ومحلات تجارية لتمويل صيانتها. 

وشهد التطوّر كذلك في التأنق في الزخارف والنقوش بالمواد الجبسيّة وتلبيس الجدران بالأحجار الرخامية والفسيفساء وتتم إضاءتها بمصابيح ذات أحجام وأشكال متنوعة وتزويدها بأجهزة التكييف المتطورة مما تشعر المصلين والمرتادين لها بالراحة والطمأنينة غير أنّه مع السباق المحموم بين القائمين على بنائها ظهرت هناك ظواهر يغلب عليها البذخ والتفاخر ومنها:

أولا: في البناء؛ حيث يتم تشييد مساجد بمساحات كبيرة تزيد عن حاجة الحي السكني للمخطط  والتوسّع في بناء المرافق له وقد يتعثر المشروع نتيجة ضعف التمويل، وعدم قدرة المتبرع على الوفاء بالالتزام ببنائه وكذلك المبالغة في تلبيسه بالجبس والأحجار مما يفقد المسجد روحانياته والبساطة في تشييده. وكذلك المبالغة في شراء الثريات والمصابيح الكهربائية والأجهزة السمعية غالية الثمن

ثانيا: الاستهلاك في الكهرباء؛ رغم تأكيد وزارة الأوقاف والشؤون الدينية على الاقتصاد والترشيد في استهلاك الكهرباء إلا أنّ هناك تجاوزات من بعض القائمين على المساجد من خلال ترك الثريات والمصابيح الكبيرة (الكشافات) تعمل طوال الليل والنهار بهدف إظهار ضخامة الجامع وإظهار معالمه الجمالية وكذلك ترك أجهزة التكييف تعمل طول الليل والنهار ويخال لك أنّه مركز تبريد وليس مسجدا.

هذه التجاوزات في الإسراف والمباهاة تستهلك مبالغ عالية تُكلّف الدولة وتصل إلى حد الإسراف المبالغ فيه وقد شاهدت ذلك في محافظة مسقط والمحافظات الأخرى.

ثالثا: وجبات إفطار صائم: يتسابق أهل الخير في إقامة إفطار صائم من خلال تقديم وجبات للإفطار في المساجد غير أنّ هذه الوجبات بلغت حد الإسراف فبدلا من تقديم وجبات خفيفة مثل التمر واللبن والمياه وبعض اللقيمات والفواكه شرع بعض القائمين على ذلك في التعاقد مع مطاعم لتقديم مراجل الأرز (العيش). ومن سلبيات ذلك انتشار رائحة الطعام وخاصة الدهون في المسجد، ما قد يسبب إزعاجا للمصلي خلال صلاته، ولذا نأمل توجيه أصحاب الخير إلى تنظيم مثل تلك الموائد بعد صلاة العشاء خارج المسجد.

وأشيد هنا ببعض المساجد التي تقوم بتقديم وجبات خفيفة وهي سنة حميدة، والتزام بتوجيهات الرسول الكريم بعدم المبالغة في تناول الإفطار.

تلك ظواهر رصدتها في مساجدنا وعلى القائمين عليها مراقبة الله فهي أمانة في أعناقهم وعلى الجهات المعنية متابعة ذلك ووضع الضوابط التي تحد من هذه المظاهر.

وأوجه التحيّة لكل وكلاء المساجد على جهدهم في خدمة بيوت الله مقدرًا دورهم الريادي واستشعارهم المسؤولية في الترشيد.