ترجمة- رنا عبدالحكيم
يؤكد شاهين فالي الخبير الاقتصادي والمستشار السابق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الأخير يواصل مسلسل الإخفاقات التي يتعرض لها نتيجة لسياسات الفاشلة على المستوى الأوروبي، معتبرا أن سر هذه الإخفاقات يتمثل في علاقته بالحليف الألماني.
ويرى شاهين، في مقالة نشرتها صحيفة جارديان البريطانية، إن الأخطاء الدبلوماسية للرئيس واعتماده المفرط على التحالف الفرنسي الألماني خلق معارضة في جميع أنحاء أوروبا.
ووجه الكاتب انتقادات لاذعة إلى ماكرون بشأن تعامله مع ملف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأكد أن الاستراتيجية الأوروبية للرئيس الفرنسي تحتاج إلى إعادة نظر عميقة. كما ذكر أن تصويت بريطانيا على الخروج، يأتي بعد سنوات من الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008، والاستفتاءات الفرنسية الهولندية الفاشلة في عام 2005 بشأن مشروع الدستور الأوروبي، الأمر الذي يشير بقوة إلى الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات مؤسسية في منظومة الاتحاد الأوروبي. وفي خطابات ماكرون السابقة التي تتسم بالشعبوية، وضع الرئيس الفرنسي رؤية جريئة، لكن هذا الطموح تضاءل الآن، وتبخرت الكثير من الآمال. إذ تضمنت استراتيجيته الأوروبية على عيوب جوهرية وأخطأ حتى في محاول تعديلها.
وتماشياً مع التقاليد الدبلوماسية الفرنسية، اعتقد ماكرون أن المفتاح لتغيير أوروبا هو إعطاء الأولوية للعلاقات الفرنسية الألمانية وتنشيطها، وسعى لإثبات التزامه بالنزاهة المالية والإصلاحات الاقتصادية، على الرغم من كون القواعد المالية للاتحاد الأوروبي غير كفوءة ومستحيلة التنفيذ، وكان هذا عكس ما كانت تعتقده ألمانيا. وأصبح الهوس بالثنائي الألماني الفرنسي من الأوهام التي تغرق فيها أوروبا، نظرا لأنه تجاهل التغيُرات العميقة التي حدثت على مدى العقد الماضي في كل من ألمانيا وأوروبا بشكل عام.
ويرى الكاتب أن حصر الإستراتيجية الأوروبية على تأمين صفقة مع المستشارة الألمانية يعكس الاعتقاد بأن المفاوضات الأوروبية كانت حصرياً تدور في فلك الرئيس. وهذا يبرز مفهوم القوة والنفوذ المتأصل في النظام الرئاسي المركزي في فرنسا. لكن على الجانب الأخر، تعتمد الثقافة السياسية في ألمانيا على التحالفات الحزبية وتمنح النقابات العمالية وقادة الأعمال ومؤسسات الفكر والمجتمع المدني دورا رئيسيا، حتى إذا تجاهل حذر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فليس ثمة فرصة لأن تقفز خارج ألمانيا بمفردها دون دفعة من صانعي الرأي الألمان، لذلك فشل ماكرون في التعامل مع الألمان فضلا عن إقناعهم برؤيته الأوروبية.
وعندما قام ماكرون بتأمين الاتفاقات الفرنسية الألمانية، واجه على الفور معارضة من باقي دول الاتحاد الأوروبي، فالاتفاق على الورق بشأن ميزانية منطقة اليورو والانتقال نحو الاقتصاد الكلي (إعلان يونيو 2018 الفرنسي الألماني في ميسبرغ)، نال إعجاب الدبلوماسيين. لكن تم إسقاطه من قبل تحالف تقوده هولندا، ولم يوافق عليه المجلس الأوروبي مطلقا. وكشفت تلك الحادثة كيف أن أزمة اليورو وتوسيع الاتحاد الأوروبي وخروج بريطانيا (البريكسيت)، تشير إلى التغير الكبير في العوامل الداخلية المحركة لأوروبا وأن فكرة التحالف الفرنسي الألماني القادر على حشد دول باتت فكرة غير قابلة للبقاء.
وفي الوقت الذي برزت ائتلافات جديدة داخل التكتل الأوروبي مثل التحالف الذي تتزعمه هولندا، تأكد فشل ماكرون في تنظيم مجموعته الخاصة. ولم ينتبه لحقيقة أن السياسة الأوروبية عابرة للحدود الوطنية في جوهرها.
وركزت جولة ماكرون في أوروبا الوسطى عام 2017 على تشجيع الحكومات المنفصلة على الإقرار بخططه لإجراء تغييرات بقواعد الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالعمال المرسلين من قبل صاحب العمل للعمل في دولة عضو أخر بشكل مؤقت. لكنه لم يبذل جهدا كبيرا في بناء علاقات دائمة مع القوى السياسية الليبرالية.
وبعد الانتخابات الإيطالية الصادمة في مارس 2018، ظل ماكرون يفكر في أن ماتيو رينزي رئيس وزاراء إيطاليا السابق والمهمش كان محاوراً رئيسيا، وفشل في دعم دعوات الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا لتشكيل ائتلاف حكومي كان من شأنه استبعاد الرابطة اليمينة المتطرفة وتقديم فرنسا كشريك أكثر موثوقية.
وعندما قرر ماكرون أخيرًا التواصل مع المواطنين الأوروبيين من خلال الدعوة إلى "النهضة" كان قد فات الأوان؛ إذ فقد زعماء أوروبا الثقة في مصداقيته وتقدم مواطنو أوروبا بأنفسهم وعززت الأحزاب من ولائهم.
وكل هذا يعني أن انتخابات الاتحاد الأوروبي المقبلة لن تحقق التغيير الذي كان مؤملا في عام 2017، فلن يكون لدى ماكرون خيارا سوى الانضمام إلى التحالف المعتدل والليبرالي في البرلمان الأوروبي، على أمل أن يجازف الرئيس بالتحول إلى شريك صغير في الائتلاف في إدارة الوضع الراهن في أوروبا.
وأكد كاتب المقال أنه كان من الممكن تجنب مثل هذه الأخطاء إذا آمن ماكرون بصدق بالسياسات العابرة للحدود الوطنية وانخرط مع المجتمع المدني الأوروبي وقضى وقتا أطول في تصدير دعواته للتجديد. لكن ذلك كان يتطلب قناعة راسخة بالسياسات الأفقية من القاعدة إلى القمة.. لكن هذا لم يحدث.
أضاع ماكرون فرصته في أن يحصل على منصب قيادي في أوروبا، ولم يكن هذا ليحدث لو قبل ببعض المناوشات في علاقته مع ألمانيا، على سبيل المثال عن طريق تحدي القواعد المالية الأوروبية أو حظر خط الأنابيب المثير للجدل "نورد ستريم 2" القادم من روسيا، فهذه الخطوة كانت ستكسبه دعما هائلا في جنوب وشرق أوروبا. لكن لا تزال هناك فرصة قائمة تتمثل في رفض دعم ألمانيا وفضحها في قضية صناعة السيارات والخلاف بشأن التعرفة الجمركية مع الولايات المتحدة. ويؤكد الكاتب أنه إذا استغل ماكرون تلك الفرصة فقد تكون تلك هي نقطة التحول له على المستوى الأوروبي.
ويختتم الكاتب مقالته في صحيفة جارديان بالقول إنه حتى الآن فإن تركيز ماكرون على تلك المصالح الثنائية وإعطائها الأولوية على أجندة التغيير، كلفه الكثير، فهو لا يحتاج سوى لتجديد استراتيجيته تجاه أوروبا.