خلفان الطوقي
ترأس مولانا السلطان قابوس بن سعيد المُعظم - حفظه الله ورعاه- اجتماع مجلس الوزراء الموقر الأخير بتاريخ ٣٠ أبريل ٢٠١٩م، ولم يكن هذا الاجتماع اجتماعاً اعتيادياً، بل كان هناك توجيه صريح بأهمية العمل على تهيئة المناخ المناسب لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية وخاصة في المناطق الحرة والصناعية والاقتصادية مع مُراعاة الجوانب الحياتية للمواطنين، توجيها ساميا يحمل في طياته الكثير من المقاصد التنموية الهامة التي تسعى إليها السلطنة، واختيار مولانا السلطان - أطال الله في عمره - هذا التوقيت بالذات يحمل رسائل حازمة وفي غاية الأهمية لكافة الأجهزة التنفيذية وخاصة المعنية بالاستثمار ومُمارسة الأعمال التجارية.
توقيت التوجيه السامي لمولانا المعظم لم يكن محض الصدفة، وإنما أتى في توقيت أقل ما يُقال عنه "استثنائي"، مليء بالتحديات العظام، وخاصة تأثر المنتج الأول للسلطنة وهو النفط جراء تذبذب الأسعار في السنوات الأربعة الماضية، والذي قاد بدوره لجر الجميع إلى طريق صعب، مما أثر سلبًا على جميع أركان المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، كاتباع سياسات التقشف في الوحدات الحكومية، ورفع الرسوم على الخدمات الحكومية وغيرها الكثير والتي صدرت وزادت وتيرتها من خلال وزارة المالية خلال الأعوام ٢٠١٥ إلى ٢٠١٨م، وهذا بدوره أثر على الأداء التجاري سلباً في جميع المؤسسات التجارية بغض النظر عن حجمها أو موقعها، هنا يتضح جليًا التوقيت في إصدار مولانا المفدى التوجيه السامي لكل الأجهزة الحكومية بضرورة تهيئة الأرضية والمناخ المناسب لجذب مزيدٍ من الاستثمارات المحلية والأجنبية، فكما نُلاحظ أن سلطان البلاد - أيده الله وأعزه- لم يقل الأجنبي فقط، وإنما ذكر المستثمر والتاجر المحلي أيضاً.
هذه التوجهيات السامية تتويج لإيمان مولانا المُعظم الثابت بأهمية الشراكة الحقيقية بين القطاع العام والقطاع الخاص، والتركيز على ذكره في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء الموقر يعتبر النافذة المنقذة للتغلب على تحديات كثيرة أهمها التوظيف وتنشيط الحركة الاقتصادية بشكل عام، ولن يكون ذلك واقعاً ما لم يتم تهيئة المناخ الاستثماري للمُستثمر (المحلي والأجنبي) بشكل حقيقي، والشعار هذا سوف يبقى مطاطياً ومنمقًا مالم تتبعه خطوات واقعية ميدانية محسوسة تشارك فيها معظم الوحدات الحكومية مثل وزارة القوى العاملة وشرطة عُمان السلطانية ووزارة المالية ووزارة الشؤون القانونية ووزارة التجارة والصناعة من خلال مركزها الجديد (مركز خدمات الاستثمار) والبنك المركزي العماني والهيئة العامة لسوق المال وسوق مسقط للأوراق المالية والهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء" ووزارة الخارجية والمركز الوطني للتنافسية والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم والمؤسسة العامة للمناطق الصناعية"مدائن" وغرفة تجارة وصناعة عُمان ومركز التحكيم التجاري العماني.
هذه الوحدات الحكومية وشبه الحكومية المذكورة أعلاه لابد أن تتكامل فيما بينها، وتقوم بالجزء الذي يخصها، وتتعامل بعقلية اقتصادية متفتحة وتضع في اعتبارها أنَّ المستثمر المحلي والأجنبي أصبح يعرف الخارطة الاستثمارية في العالم، وأنَّ الجميع من كل أنحاء العالم يتنافس عليه ويسعى لنيل رضاه، وأصبحت الأدوات الاستثمارية كثيرة ومتنوعة والوصول إليها بضغطة زر من هاتف ذكي، فإما نحن - الوحدات الحكومية المعنية بالاستثمار والعمل التجاري في السلطنة - نقوم بإقناع التاجر والمستثمر المحلي بالاستمرار بالقيام بتجارته وضخ المزيد من رأس ماله إلى السوق المحلي لنيل رضاه من ناحية، والقيام بكل ما يُمكن القيام به وإقناع المستثمر الخارجي (أفرادا أو مؤسسات) أن يأتي إلى عمان أو جلب حصة من رأس ماله إلى عمان من ناحية أخرى، وإننا كبلد أفضل أو من أفضل الوجهات الاستثمارية في الدول الإقليمية، وأن حديثنا ليس شعارا خاويا وإنما واقع ملموس تثبته الحقائق والأرقام والتقارير الدولية، ومناخنا الاستثماري جاهز لاسقبالك من زواياه المختلفة الخدمية المُغرية والبنية التحتية الكاملة والتشريعات التي تحميك وتضمن استدامتك، بهذه العقلية المتفتحة الموحدة يكون أمر مولانا السلطان مطاعاً موثقًا بالأرقام مؤيدا بالإنجازات والنمو التصاعدي بشكل سنوي.