هل أنت قارئ عادي؟

 

 

يوسف عوض العازمي

"الشرط الأساسي في كل كتابة جديدة هوالشرط الانقلابي، وهو شرط لا يمكن التساهل فيه، أو المساومة عليه، وبغير هذا الشرط، تغدوالكتابة تأليفا لما سبق تأليفه".. نزار قباني.

دائمًا أقول إنَّ القراءة هي أخت الكتابة، إن لم تكن قارئا جيدا فمن الصعب أن تكون كاتبا جيدا، والعكس صحيح، إنَّ ما تفعله القراءة في عقل الكاتب يُؤثر غالبا على تفكيره، وحتى في استخدامه مفردات جديدة، غير دارجة؛ فالقراءة هي الغذاء الأهم للكاتب، لا معنى ولا فائدة من كاتب لا يقرأ، وأقصد بالقراءة هي قراءة الكتب والأبحاث المفيدة للكاتب في مجال تخصصة أو حتى القراءات العامة.

أتذكَّر قرأت لأحد الكتاب يصف أحد المستشارين القضاة في مصر بالمفكر والمثقف، واستغربت من الوصف، فهو يتحدث عن قاض وليس عن مفكر أو أديب أو حتى فيلسوف، وزال الاستغراب عندما تحدث عن مسودة الأحكام القضائية التي تصدرها المحكمة متضمنة الأحكام الصادرة، وكيف أن القاضي كان يكتب المسودة بأسلوب أدبي مميز عن نظراءه القضاة؛ إذ يقول الكاتب إنه كان يقرأ المسودة وكأنه يقرأ مقالا أدبيا مشوقا في تراتبية أفكاره، واختيار المفردات الملائمة، وتزيين النص المكتوب بألفاظ غير متعود عليها بالكتابات العادية، ويدل ذلك على الفكر والحس الأدبي لدى القاضي الذي لم يهتم بالصياغة الأدبية، إلا لأنه بالتأكيد يجيدها ويحبذها، ويبدع بها؛ إذ كانت المسودات وكأنها مقالات أدبية رائعة.

أحد الطلاب مِمَّن يهتمون بالكتابة الأدبية، وعند شروعه بكتابة مشروع التخرج وهو في تخصص ليس غريبا عن الأدب، أراد أن يكون مشروعه ذا صبغة وصيغة أدبية مميزة، ولكن لأنه لا نيل للمطالب بالتمني، فقد وجهه المشرف إلى حذف بعض الفقرات؛ لأنها ليست في السياق، وإنما هي أدبية بحتة، ولأن البحث أساسا كان أدبيا فقد فَقَد مضمونه؛ إذ مع حذف الفقرة الفلانية، والكلمة العلانية، لن يبق للبحث أهمية، وسيكون مولودا مشوها، وهوما يعتقده الطالب!

للكِتابة أصول وآداب، والكاتب يحتاج القارئ الذكي أكثر من حاجة القارئ لكاتب ذكي؛ لأنَّ القارئ هو الأساس وهو من يوجه أو توجه له الكتابات؛ لذا فالكاتب عليه احترام القارئ، ولا بأس من ملاعبته والمزاح معه عن طريق حذف المعنى بعيدا، لتبدأ ملكة التفكير للقارئ بالانشغال بما يريده الكاتب، هل كان فعلا يقصد السفينة بالبحر أم الجمل بالصحراء، وهكذا، وأعتقد أنَّ الكاتب الذي لا يجيد المزاح وملاعبة القارئ عليه أن يطلق الكتابة، والبحث عن وظيفة أخرى، لا تحتاج إبداعا، كسياسي مثلا!

تعليق عبر الفيس بوك