ليبيا وصراع إخوة السلاح

 

جمال الكندي

 

صراع إخوة السلاح تعبير عن تغيير اتجاه البندقية من جهة إلى أخرى، وغالباً ما يكون ذلك بسبب وجود مناخ سياسي جديد مزق وحدة صف المقاتلين، أو لظهور عامل فكري مؤثر على السطح كانت المصلحة العسكرية تحتم عدم بروزه، يجعل من كانوا يحاربون في خندق واحد يتصارعون في ما بينهم بعد انتهاء الغاية التي كانوا يقاتلون تحت شعارها.

في تاريخنا العربي والإسلامي نماذج كثيرة من هذا النوع ولكننا سنأخذ نموذجاً مازلنا نعايشه وهو النموذج الأفغاني، فبعد أن كان السلاح الأفغاني موجه إلى المحتل الروسي في ثمانينيات القرن الماضي واستطاع تحرير البلد من المحتل، - طبعاً بمساعدة الأمريكي - وفق أجندة سياسية وعسكرية وإعلاميّة معدة مسبقاً تحت عنوان أهّمية الجغرافية السياسية لأفغانستان ومحاربة الشيوعية، وفي عدم إعطاء الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت كسب هذه الجغرافية.

 طبعاً بعد إنهاء سيطرة الروس على المنطقة تغيّرت الأيدولوجيات وطفت في السطح الاختلافات المذهبية والإثنية التي دمرت أفغانستان ومازال وقودها يشتعل إلى الآن.

هذه المقدمة التي ذكرتها ما هي إلا للمقارنة بين أفغانستان وليبيا اليوم، حيث إنّ الوضع الليبي يتشابه نوعاً ما مع ما حدث في أفغانستان في تغيير اتجاه البندقية، بعد إنهاء حكم "العقيد معمر القذافي" بقوة السلاح.

الصراع العسكري الذي تفجر مؤخراً بين "المشير خليفة حفتر" ورئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي بطرابلس "فايز السراج" امتزجت فيها المصالح السياسية ذات الأبعاد الخارجية، والنظرة الأيديولوجية التي تسير هذا الصراع، فبعد إنهاء حكم "العقيد معمر القذافي" انقسم الشارع السياسي والعسكري الليبي إلى قسمين قسم سيطرة على شرق ليبيا وجنوبه ومدينة درنة تحت مسمى برلمان طبرق، والذي عين "خليفة حفتر" بمنصب قائد الجيش الوطني الليبي وتمّت ترقيته إلى رتبة مشير.

 وفي غرب ليبيا العاصمة طرابلس توجد حكومة الوفاق الوطني برئاسة "فايز السراج وتدعمها قوات تسمى "فجر ليبيا" يغلب عليه فكر الإخوان المسلمين الأمر الذي أدى إلى وجود خلاف سياسي وعسكري بينها وبين قوات "خليفة حفتر وبرلمان طبرق الذي لا يعترف بحكومة فايز السراج.

هذا المناخ السياسي والعسكري المتضارب أوجد أيادي خارجية تغذي الاختلاف بين شرق وغرب ليبيا تعمل لأجنداتها الخاصة، فالتحرك العسكري لقوات حفتر على العاصمة طرابلس في هذا التوقيت بالذات جاء لخلط الأوراق وقطع الطريق على المصالحة السياسية، والتي كانت ستعقد برعاية أممية لوضع خارطة طريقة لحل الأزمة الليبية بين حفتر وحكومة فايز السراج المعترف بها دولياً.

طبعاً التحرك العسكري الأخير من المشير حفتر يصنفه من هم في حكومة السراج، والدول الداعمة لها والمعترفة لهذه الحكومة المؤقتة بأنّه انقلاب على التفاهمات الأممية التي أدت إلى إعلان عن هذا المؤتمر في شهر إبريل الحالي، وهو يهدم الاتفاق الذي كان بين "حفتر" وبين ورئيس حكومة الوفاق الوطني "فايز السراج " في نهاية شهر فبراير في العاصمة أبوظبي، والذي جاء لإنهاء المرحلة الانتقالية وحل الأزمة الليبية سياسيا وإجراء انتخابات عامة في البلاد بمشاركة جميع شرائح المجتمع الليبي.

الصراع العسكري الحالي في ليبيا تحركه الأيديولوجية السياسية (فكر الإخوان المسلمين) والذي يعاديه حفتر في شرق ليبيا، ومن يدعم حفتر وعلى هذا الأساس تمّ تقسيم الجيش الليبي بعد زوال نظام القذافي إلى جيشين كل واحد منهما يدعي بأنّه الجيش الوطني حامي حمى ليبيا، وهذه هي أكبر مشاكل ليبيا بعد نظام القذافي.

الجيشان وراءهما دول تساندهما وتحمل فكراً يعادي الآخر، وهنا نحن أمام أزمة حقيقية في ليبيا سببها انقسام الدول التي كانت في خندق واحد ضد حكومة الرئيس السابق "العقيد معمر القذافي"، هذا التباين طفا على السطح السياسي والعسكري بعد أزمة الخليج، فانعكس ذلك الخلاف سلباً على الساحة اليمنية والليبية.

التصعيد العسكري الأخير على العاصمة طرابلس يصنفه بعض المراقبين بأنّه انقلاب على المؤتمر الوطني المقرر عقده في شهر أبريل الحالي، والذي كان سيشكل نقلة نوعية في مسار تحقيق بناء الدولة الليبية الجديدة بمشاركة طرفي النزاع في الشرق والغرب الليبي. والأسئلة التي نطرحها هنا هي: من الذي له المصلحة في قلب طاولة الوفاق الليبي؟ وهل هنالك جهات تسعى لإدامة الصراع الليبي لمصلحة سياسية واقتصادية؟ وهل هنالك اتجاه لخلق بيئة توتر في ليبيا لتهديد دول الجوار الليبي؟ كل هذه الأسئلة تبحث عن إجابات خاصة وأنّ المشير حفتر لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل ويخالف مقررات الأمم المتحدة حول ليبيا إلا بضوء أخضر من الدول الداعمة له في المنطقة وهي معروفة.

أخيراً على الليبيين أن يدركوا بأنّهم بعد نظام العقيد معمر القذافي تتجاذبهم الدول التي كانت السبب في القضاء على النظام السابق، وهذا يعني فقد السيادة والاستقلال السياسي، فالدماء الليبية التي سالت من كل الأطراف جديرة بالاحترام، واحترامها يكون بالوحدة السياسية والعسكرية تحت عنوان ليبيا للجميع، والكل لابد له أن يحمي ترابها في ظل مظلة ديمقراطية تحمل هموم وأولويات الوطن قبل كل شيء. أرجو من الليبيين أن يحكموا عقولهم قبل أسلحتهم لإنقاذ لبيبا لكي لا نرى أفغانستان جديدة بثوب عربي.

الأكثر قراءة