متلازمة إيران

 

علي بن مسعود المعشني

 

لقد سمعنا جميعاً بكلمة (متلازمة) من قبل، فهي تصف خللاً عقلياً أو جسدياً أو عضوياً، أحياناً يكون غير قابل للعلاج. يمكننا تعريف المتلازمة بأنّها مرض أو اضطراب يحتوي على أكثر من صفة أو عرض محدد. كل متلازمة وراثية لديها صفات نموذجية خاصة بها تميّزها عن غيرها من المتلازمات حسب أعراضها وأسبابها فإما يكون سببها كروموسوم معين أو جين معين (مقتضب عن موقع أخبار العلوم).

إذن فالمتلازمة في التعريف العلمي الطبّي هي حالة وراثية يكتسبها الجنين من والديه وتنشأ معه وتسبب له حالة مرضية مستعصية، أمّا المتلازمة في المقال فهي حالة مكتسبة عقليًا وبحكم الاختيار لا الإكراه ولكنّها بالإلحاح وحصار العقل اكتسبت صفة الإكراه والوراثة في التأثير والتشخيص والتوصيف.

حرصت على استخدام كلمة متلازمة في التعبير عن علاقة أغلب عرب زماننا اليوم ونظرتهم وتوصيفهم لإيران على وجه الدقة والتحديد، وقبول جُلهم وتقبلهم لتسويقها كعدو جديد للأمة وكعدو بديل للكيان الصهيوني أولًا ولعدونا الوجودي الغربي!!

طبعًا هؤلاء العرب المصابون بالمتلازمة اليوم يصورون لنا بأن دافعهم لعداء إيران هو غيرتهم على الأمة العربية من التدخل الأجنبي، ومن "المشروع الإيراني" في المنطقة، لهذا فهم يدمرون اليمن لإفشال المخطط الإيراني ولإخراج إيران من اليمن وعودة اليمن إلى الحضن العربي، ويدمرون سوريا والعراق ويشتتون لبنان لقطع الطريق على المشروع الإيراني والهلال الشيعي في المنطقة العربية. عبارات وشعارات لا تستقر سوى في عقول نزلاء المصحّات العقلية والمصابون بالمتلازمات التي لا يُرجى شفاؤها وذرائع لايتقبلها أي عقل سوي.  

حين تساير أحد هؤلاء المتلازمين وتسأله عن ماهية المشروع الإيراني ووجوده على الأرض!؟ يقول لك: الوجود الإيراني في لبنان ومتمثل في حزب الله وموجود على الأراضي السورية والعراقية واليمن. وحين تسألهم ولماذا الوجود الإيراني في هذه الجغرافيات بالتحديد ودون غيرها؟ ولماذا لا نرى وجودا لإيران في مصر أو المغرب أو موريتانيا كمثال؟ يقولون بأنّهم يحلمون بالهلال الشيعي في هذه الجغرافيات.

طيب.. وهل توجد مشروعات أخرى في المنطقة غير المشروع الإيراني؟ يعني هل علمتم باحتلال أمريكي بريطاني للعراق؟ وهل من تفسير لديكم لتدمير العراق عبر أموالكم وأراضيكم وأجوائكم وبحاركم؟ وهل تعلمون بوجود وطن محتل اسمه فلسطين وأراض عربية من قبل الصهاينة وبرعاية ومباركة من حلفائكم الغربيين؟ هل سمعتم بالنفوذ الفرنسي في لبنان؟

أسئلة لا حصر لها يمكن طرحها على العقلاء ونقاشهم عنها، ولكن كيف يمكن مخاطبة المتلازمين والمتأزمين جينيًا!؟

الجواب: لسنا معنيين بإصلاح عقول خرجت من الخدمة ولم تعد تعمل سوى بالتلقين ولغة الإشارة و"الكتالوج"، ولكننّا معنيون بالعقلاء والذين يعلمون نعمة العقل ويسقطون ماتتلقاه عقولهم على مقاييس العقل والمنطق والقياس والاستدلال.

عندما يدور الحديث عن الوجود الأمريكي والاحتلال الصهيوني للأراضي العربية والنفوذ الفرنسي والبريطاني في المنطقة وعبثهم بجغرافياتها ومقدراتها تنهال التبريرات وتتعطل الجوارح والأحاسيس وتنعدم الغيرة الإسلامية وتتحول العروبة إلى منكر ورجس من عمل الشيطان، وعندما يتحدثون عن الوجود الإيراني في سوريا والعراق كمثال يستنهضون كل جاهليتهم ويسمونه احتلال في أعرافهم ودساتيرهم أمّا القواعد الغربية على أراضيهم فهي تعاون بين دول "ذات سيادة"!!

حين يتعاملون مع روسيا أو الصين أو الهند أو البرازيل أو أمريكا يبررون تعاملهم بأنّهم يتعاملون مع دول وفق قواعد السياسة والتعاون بين الدول وليس تعاون مع نصارى أرثوذكس ولا مع بوذيين ولا مع هندوس ولا كاثوليك ولا بروتستانت، بينما من يتعامل مع إيران فإنّه يتعامل مع الشيعة وهو بالضرورة مؤيد ومبارك للهلال الشيعي وللمشروع الإيراني!!

الشيعة في أوطاننا وفق تصنيف بورد المتلازمين هم بالضرورة ولاؤهم لإيران بينما الطابور الخامس العربي الموالي للغرب والمتصهينين فهم مجرد معجبون بالفكر الغربي ويميلون للغرب وفوق كل شيء فهم ليبراليون!!

حين كان الشاة يُحصي عليهم أنفاسهم كان جارا، والنبي وصّى على سابع جار وحين أتت الثورة والتحقت بقضايا العرب وهمومهم أخرجت من الجوار والتاريخ والملة!!

ولاء الشيعي المذهبي لإيران هو ولاء منطقي وطبيعي كولاء كل طائفة لحاضن أكبر، ولكن أن يُفسر الولاء المذهبي على أنّه ولاء وطني بديل وفي حالة الشيعة وإيران على وجه التحديد يفرض علينا التسليم وبالقياس الشرعي والعلمي بأنّ الموالين للغرب من عرب زماننا هم بالضرورة غربيون بالهوى والهوية كذلك؟

لا أعلم أي مستقبل ينتظر قوما لا يفرقون بين العرب ومصلحة العرب وأصدقاء العرب، ولا أعلم أي مستقبل ينتظر قوما مازالوا يرددون قول الشاعر الجاهلي:

وما أنا إلا من غزيّة إن غوَتْ

غوَيتُ وإن ترشدْ غزيّةُ أرشدِ

 

قبل اللقاء: طالما بقينا أسرى للتصنيف الطائفي والمذهبي في توصيف علاقاتنا وتحديد مصالحنا بالآخر وبالانتقائية الشوفينية الحالية فسنعيش طويلًا بين الحُفر ولا يوجد ما يمنع أن تنتقل هذه العقلية في تحديد علاقتنا بأنفسنا في يوم قريب.