بماذا تختلف البنوك الإسلامية عن البنوك التقليدية؟

 

جمال النوفلي

قد تذهب في أحد الصَّباحات إلى أحد البنوك الإسلامية المحلية، فتجد موظفا أو موظفة تقعد خلف طاولتها تستقبل طلبات العملاء بابتسامة صباحية لامعة، وتحاول بكل سرور أن تقدم لهم أي دعم أو مساندة يمكن تقديمها، ثم تسألها أنت مستفسرًا: بماذا تختلف هذه البنوك الإسلامية عن غيرها من البنوك التقليدية؟ فتقول لك بكل ثقة لاعتيادها على إجابة نفس السؤال المتكرر على مسامعها كل يوم: (الرِّبا) عدم التعامل بالربا هو الفرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي؛ فالبنك الإسلامي لا يأخذ ربا على تعاملاته، فتقول لها محاجًّا: لكنكم تأخذونها بشكل أو بآخر؛ سواء كنتم تسمونها ربحا، أو فائدة، أو إجارة... أو غير ذلك، فهي في النهاية تساوي نفس المبلغ ونفس العبء والدين الذي يجده المتعاملون في البنوك الأخرى، وربما أكثر.

طبعا هنا تتعدَّد الإجابات من موظف إلى آخر، ومن شيخ إلى آخر، ومن مسؤول إلى آخر؛ فمنهم من سوف يقول لك بأن الفرق أيضا هو في ذات المستندات والمعاملات في البنوك الإسلامية؛ حيث إنها تتعامل بالبيوع، بينما لا تتعامل البنوك التقليدية إلا بالقرض الربوي، وقد قال الله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا". ومنهم من سيقول لك إنَّ الفرق بينها هو الحكم الشرعي؛ فمعاملات البنوك الإسلامية تحلها الشريعة الإسلامية، بينما التقليدية لا تحلها الشريعة الإسلامية؛ فهذا حرام وذاك حلال، وعلى الرغم من أنها بالنسبة لك نفس العملية وفيها نفس النتيجة، إلا أنها تختلف عند ربنا؛ فهذا حلال وذاك حرام وما عليك إلا الانصياع لحكم الله، أي أنها أشبه بكثير الأعمال الانسانية التي يمكن أن تكون حلالا أو حراما وفقا لرأي الشرع؛ كذبح الماشية مثلا، إذ يمكن أن يكون حلالا لو ذُبِح بالطريقة الإسلامية، ويمكن أن يكون حراما لو ذُبح بطريقة أخرى، مع أنها نفس الماشية ونفس السكين ونفس الطعم عند الأكل، ومثل الجِمَاع أيضًا بين الرجل والمرأة، فيمكن أن زنا، ويمكن أيضا أن يكون زواجا، كلٌّ ذلك حسب الرأي الشرعي فيها، مع أن الفعل هو نفسه والنتيجة هي نفسها.

ومنهم من سيقول لك إن الفرق هو المال نفسه؛ فالبنوك الإسلامية ترى أن المال ليس سلعة؛ فبالتالي لا يمكن بيعه وتأجيره والتعامل به بأخذ زيادة عليه كما يحصل في البنوك التقليدية، وإنما هو وسيلة ووسيط بين السلع؛ فمعاملات البنوك الإسلامية تصب على السلع وليس على المال والنقد.

وكل تلك الآراء وكل تلك الفروقات لا يخلو أغلبها من صحة، غير أن المتأمل في مجموع الأعمال والخدمات المصرفية التي تُقدمها البنوك الإسلامية -ابتداء من فروعها الصغيرة المنتشرة، ومكائن السحب وإيداع المال، وحسابات مالية للأفراد والأطفال، وجوائز تعطَى هنا وهناك لمن يقوم بإيداع وحفظ أمواله فيها، وأموال تُدفع لمن يربط أمواله في البنك فترة طويلة، وحسابات وخدمات خاصة بالشركات وتسهيلات وبوليصات بنكية، وضمانات وكفالات وحوالات مصرفية بين البنوك وبين العالم، وتمويلات يسوّق لها موظفو البنوك للناس (تمويل سيارات، تمويل منازل، تمويل بناء...وغيرها)، ثم يُسدِّد العميل ديونه للبنوك الإسلامية بأرباح وأقساط شهرية- إنَّ المتأمل لكل ذلك، يجدها فعلا لا تختلف إطلاقا عن البنوك التقليدية.

... إنَّ الفرق الأهم -من وجهة نظري- بين الإسلامية والتقليدية إضافة إلى ما قمت بعرضه من فروقات، هو أنَّ البنوك الإسلامية قائمة على فلسفة المشاركة في الخطر؛ فالبنك يدخل مع عملائه كطرف طبيعي ند ومساوٍ للطرف الآخر؛ فالبنك مثلا يشتري بضاعة ويبيعها للعميل بالمرابحة، فإن فسدت البضاعة قبل بيعها للعميل؛ فالبنك هو من يتحمل مسؤوليتها وليس العميل، والبنك يُشارك العميل في تجارته أو بناء منزله، فإنْ خسرت التجارة أو أصاب المنزل مكروه فالكل يتحمل الخسارة حسب نصيبه، والبنك يشتري أصولا ويؤجرها فإن أصابها شيء دون تعدٍّ أو تقصير من المستأجر، فالبنك هو من يتحمل ذلك، وقس على ذلك باقي المعاملات المصرفية الإسلامية، فدور البنك في معاملاته يُمثل تماما دور التاجر؛ الأمر الذي لا يتوافر إطلاقا في البنوك التقليدية التي تكون دائما في مأمن تام من الخسائر. ولذلك؛ يرى كثير من المصرفيين أنه لا يصح أن يطلق مسمى بنك على البنوك الإسلامية؛ لأنها ليست بنوكا.