جامعة الدول العربية.. الواقع والمصير

علي بن مسعود المعشني

 

في 29 مايو 1941م، ألقى أنتونى إيدن وزير خارجية بريطانيا، خطاباً؛ ذكر فيه: "إنَّ العالم العربي قد خطى خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن.. إن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضاً... وحكومة جلالتها سوف تبذل تأييدها التام لأيّ خطة تلقى موافقة عامة".

وفي 24 فبراير 1943م، صرَّح إيدن -في مجلس العموم البريطاني- بأنَّ الحكومة البريطانية تنظُر بعين "العطف" إلى كلِّ حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.

وبعد عام تقريباً من خطاب إيدن، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس، كلًّا من: رئيس الوزراء السوري جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري؛ للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنظمة لها". اقترحت سوريا اسم "التحالف العربي"، أما العراق فأراد اسم "الاتحاد العربي"، إلا أنَّ الوفد المصري رأى أن اسم "الجامعة العربية" الذي تقدَّم به أكثر مُلَاءمة من الناحية اللغوية والسياسية، ومتوافقا مع أهداف الدول العربية، وفي النهاية وافق الجميع على هذا الاسم، بعد أن نقَّحوه من الجامعة العربية إلى جامعة الدول العربية (ويكيبيديا).

تشكَّلت جامعة الدول العربية حين تم تأسيسها في 22 مارس 1945م من كلٍّ من: مصر، وسوريا، والعراق، والسعودية، ولبنان، واليمن، وإمارة شرق الأردن. وتمَّ الاتفاق على أن يكون المقر الرئيس بالقاهرة. ومن الواضح أنَّ فكرة إنشاء الجامعة العربية هي فكرة بريطانية بقصد تكريس مفردات سايكس/بيكو، وترجمتها على أرض الواقع، وبقصد توحيد الهوان العربي تحت مظلة واحدة، هذا الهوان الذي تسلل من خلاله الغرب مرارًا لتمرير أدوات استعماره الجديد؛ والمتمثلة في: التبعية، والشتات، وتغييب المشروع النهضوي الموحد والواحد للأمة.

وبقراءة النتائج والمعطيات على الأرض اليوم، وبمراجعة أطوار الجامعة، وتتبُّع مراحلها التاريخية، نستطيع القول بأن الجامعة العربية لم تكن سوى حائط مبكى للعرب، وحلبة صراع لهم، ومختبر مكائد ومؤامرات لبعضهم على بعض. فبحُكم منطق التاريخ والثقافة الاستعمارية الكولونيالية، لا يمكن لبريطانيا أن تكون حريصة على ترجمة "طموح" العرب نحو الوحدة وبأي شكل من الأشكال. لاشك أنَّ الجامعة العربية -وللإنصاف- مجرد صدى وشاهد على هشاشة النظام الرسمي العربي، هذا النظام الذي لم يستشعر بعد خطورة مفردات وثقافة سايكس/بيكو التي مُكنت وجددت نفسها مرارًا وتكرارًا في كلِّ مفصل لمؤشرات أي وفاق أو نهوض عربي بصورة كلية أو إقليمية أو حتى نماذج قُطرية فردية. لهذا؛ لا يرجو عاقل واحد في الوطن العربي أن تكون الجامعة العربية أفضل حالًا من النظام الرسمي العربي، ولا يرجو كذلك نجاح أي تكتل إقليمي عربي ليشكل حالة نهوض أو نموذج لمشروع عربي.

في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر (52-1970م)، استمدت جامعة الدول العربية بريقها وحيويتها ومواجهتها للخصوم والأعداء من شخصه وسياساته، ورعايته للطموح العربي، وتدخله الشخصي في حل خلافات العرب، وحملت رؤيته للعمل العربي المشترك رغم الحمل الثقيل عليه من داخل مصر، وتشكلها الجمهوري الثوري الناصري، وسعيها الحثيث لتجاوز الإرث الملكي وعهود الانتداب والهيمنة والاحتلالات المباشرة، ولرضُوخ أغلب الأقطار العربية في زمنه تحت نير الاستعمار والهيمنة الغربية المباشرة. وبعد رحيل الزعيم عام 1970م، عاد نفس سايكس بيكو مجددًا، وأضحت الجامعة مجرد أرشيف لخلافات العرب المعاصرين.

فَشل النظام الرسمي العربي في تحقيق هُوية للجامعة العربية يمكن تطويرها والتحرك من خلالها، كما فشل في الفصل ما بين الجامعة بوجهها السياسي المتعثر، والجامعة بأوجهها التنموية الأخرى: الثقافية، والتعليمية، والاقتصادية، وفشل أكثر في تقريب الشعوب عبر تشجيع المبادرات الشعبية من استثمارات أو حركة عمالة أو فعاليات ثقافية وفكرية جامعة، والتي ستُشكِّل لاحقًا أدوات صلبة للدبلوماسية الشعبية العربية، تلك الدبلوماسية التي سيبنَى عليها أي مشروع نهضوي عربي أو أي مشروع تنموي عربي، بل وسترسم ملامح وهوية السياسات العربية نحو الداخل والخارج.

وبالشكر تدوم النعم...،

--------------------------

قبل اللقاء: "يُفترض بالنظام الرسمي العربي أن يُدرك -وبعد كل هذه التجربة المتعثرة- أنَّ الجامعة العربية يُمكنها أن تكون الوجه الفكري الناجح لدولة الاستقلال العربي؛ شريطة أن تُدار من قبل عقول لا علاقة لها بالسياسة ولا بالعمل الرسمي العربي"، وأنْ يتفرغ النظام الرسمي العربي وينشغل في بناء وإدارة الوجه التقني للدولة.