كأس أكبر من البطولة

 

 

وليد الخفيف

هل يبحث اتحاد كرة القدم حقًّا عن السبيل المثالي لإعداد المنتخب الأول لعبور التصفيات المؤهلة لمونديال قطر 2022؟ أم أن مساعيه ماضية في البحث عن إنجاز سهل المنال؟

الفوز في المباريات الودية قد يكون غاية في حد ذاته للأسف، ليداعب قلوب البسطاء، فلا عجب إذا ما وجهت الدعوة للاحتفاء بكأس أكبر من البطولة حجما. فمن المنطقي أن يتفق مستوى الإعداد مع الهدف الموضوع وليس المنشود أملا، والفارق بينهما شاسع، ومن المنطقي أيضا أن تنطلق فترة الإعداد الجديدة من حيث انتهينا سلفًا؛ فالتدريب عملية تراكمية. أما العودة للمربع صفر، وخوض ما سُمي مجازا بـ"بطولة" تضم سنغافورة المصنف 165 عالميا، وأفغانستان 147، وماليزيا 167، ليتوج بعد مباراتين بلقب أكبر كأس في العالم، أمر يثير الحيرة في الأهداف والغايات! فالعائد التدريبي منها شحيح قطعًا، والاستمتاع بأجواء ماليزيا في هذا الشهر ربما يكون الفائدة الوحيدة منها.

أُدرك جيدًا أن مرحلة الإعداد، لابد أن تتصاعد من نقطة إلى أخرى، وصولا لذروتها قبل انطلاق الاستحقاق الرسمي بأيام؛ فالنتيجة لا محلَّ لها من الإعراب في المباريات الودية بقدر قيمتها المحددة في الإفصاح عن مؤشرات إيجابية، تسعى الأجهزة الفنية لتعزيزها، أو سلبية تمضي قدما لتصحيحها.. فهناك فارق كبير بين مواجهة منتخب متوسط المستوى، وآخر لم نسمع عنه إلا في حكايات ألف ليلة وليلة، فرَغم رفع عدد المنتخبات المشاركة في نهائيات آمم آسيا الأخيرة إلى 24 منتخبنا، غير أنَّ ماليزيا وسنغافورة وأفغانستان لم يُشاركوا بها، ويدلل تصنيفهم الدولي المتدني على صعوبة تحقيق الاستفادة من المواجهات الهشة التي جمعتنا بهم.

لقد اعتدنا في الفترة الأخيرة "خطأ" خوض مباريات ودية ضعيفة أمام منتخبنات لم يعد في جعبتها جديد بغض النظر عن الهدف؛ فلطالما كان الفوز "المسرحي" الذي يخفي من خلفه المستوى الحقيقي آفة ظهرت أعراضها عند مواجهة منتخب حقيقي؛ فالمدرب الأجنبي في بعض الأحيان ينصب همه نحو استقرار مركزه لأطول فترة ممكنة، ويتهيَّأ له هذا في غياب الحوار الفني في أروقة الاتحاد الذي يضم بين جنباته عشرات الفنيين، فما أجمل أن يلتقي فكر المدرب الرامي لتحقيق مصالحه مع فقاعات إعلامية وصفت مثلا بلوغ دور الـ16 لكأس آسيا بالإنجاز التاريخي، فضخَّمت من حجم عمل هو في الأصل لا يرقى حدَّ الطموح، والكل يُغنِّي على ليلاه.

فالسَّراب الذي صدَّره السابقون، انكشف بعدم قدرتنا على تخطي المنتخبات أصحاب التصنيف الأول طوال تاريخنا، وبات تجاوزها المعادلة التي يتعيَّن وضعها نصب أعيننا الآن، فكسر أشرعة اليابان وقهر الكنغر، والإطاحة بالشمشون، والفوز على إيران يحتاج لعمل مغاير. أما الاستعداد لهم بمواجهة منتخبات ترتيبها العالمي متدنٍ للغاية، ليس إلا تجسيدا لأحد أفلام الخيال العلمي، يُعرض سنويًّا في مثل هذا التوقيت، حتى وإن اختلف المخرج، فالنص لم يتغير.

إنَّ وقوف الجهاز الفني على المستوى الحقيقي لكل لاعب تزامنا مع تحديد قوة المنظومة الدفاعية وفاعلية المنظومة الهجومية يحتاج لمباريات تحمل الندية، يحتاج لوضع المنظومة الدفاعية في اختبار حقيقي أمام هجوم شرس لتحديد مدى قوتها، وتحديد فاعلية الهجوم بدقة يفصح عنه قدرة الفريق على كسر دفاعات متينة لفريق منظم. هُنا، يستطيع المدرب أن يعزز من قوة دفاعاته، وأن ينطلق لآفاق أرحب وأوسع بحلول متنوعة لمهاجميه. أما اللقاءات الضعيفة، فولدت لتموت بلا جدوى ولا فائدة.

إنَّ المشكلة الأبدية التي تواجه القائمين على شؤون المنتخب الأول تتمثل في تبني فكر تقليدي، عفى عليه الزمن، مفاده التطوير المعتمد على سبيل أوحد اسمه المعسكرات الداخلية والخارجية التي تتخللها مباريات ودية. لقد انتهتْ تلك الحقبة منذ أن أصبحت الكرة مصنوعة من الجلد المرن؛ فهناك ملفات أخرى ذات صلة هي التي تساعد على التطوير، مثل المسابقات والاهتمام بقطاع المراحل السنية وبناء المنهجية الكروية والهوية المميزة التي يفتقدها الفريق الأول.. إنها الملفات ذات الصلة التي نحتاج تصحيحها لتتزن الكفة، فهل نخوض التحدي ونبدأ في العمل الحقيقي، أم نواصل البحث عن نجاح من ركلة حظ؟