عبد الله العليان
لا شك أنّ ما جرى مؤخراً في نيوزلندا من هجمات على مصلين، وتم قتل وجرح ما يقرب من مائة مسلم من جنسيات مختلفة، يبرز ما يتم في بعض الدوائر الغربية، من حملات الكراهية والإقصاء، ضد العرب والمسلمين، لمجرد الاختلاف الفكري، والنزعة المتأصلة لكل ما يمت للمسلمين، مع أنّ ما جرى ويجري لهم منذ قرن أو يزيد من استباحات وقتل وتدمير، يجعل من الآخرين الشفقة عليهم وليس الكراهية ضدهم، والإشكالية أنّ الدوائر الصهيونية "واللوبي" الذي أصبح فاعلاً في كثير من الدوائر الدول الغربية، يلعب دوراً محرضاً على العرب والمسلمين، وللأسف أنّ الكثير من المؤسسات الغربية، ومنها الصحافة، أسهمت إسهاما كبيراً في نشر نزعة الكراهية والعداء والتحريض، وهذا بلا شك لعب دورًا مؤثراً في تزايد الكراهية، خصوصا ، أن دوائر اليمين الصاعد، هو الذي يحمل هذه النزعة، بدعم الدوائر الصهيونية، وبعض المؤسسات الغربية القريبة من هذا اللوبي.
وقد أشرت في كتابات سابقة إلى هذا الأمر، وكيف أسهمت هذه الدوائر والمؤثرين من سياسيين وكتاب ومحللين، في تأصيل وتغلل اليمين المتطرف في أوروبا شرقها وغربها، الذي يعد الآن أكثر المؤسسات تعبئة لكراهية العرب والمسلمين في الغرب كمواطنين ومهاجرين، وقبل عدة أسابيع سمعت أحد أركان اليمين المتطرف في محاضرة عامة، يحّرض الدول الغربية والكنائس الغربية، من خطر انتشار الإسلام في الغرب، وأنّه ممكن بعد عقود قليلة يصبح أطفالهم في القارة الأوروبية كلهم مسلمون! وهذه الأطروحات بلا شك لن تجد إهمالاً من المؤسسات اليمينية التي ربما تدعم هذه المقولات والدعايات، للتحريض والتخويف من التواجد الإسلامي في الغرب، وتأثيرهم ـ كما يقولون ـ على الدين المسيحي، هو أحد الدوافع في ما فعله المتطرف الاسترالي في الهجوم على المسجدين في نيوزلندا الأسبوع المنصرم.
قد يعتقد البعض أنّ ما جرى للمسلمين في نيوزلندا، هو ردة فعل على هجمات بعض المتطرفين المسلمين في البلدان الغربية، قبل عدة سنوات ـ وبعضها في فترة قريبة ـ لكنّ المؤكد أنّ ما جرى ليس له تأثير على هجمات هذا المتطرف الجبان الذي استهدف مصلين آمنين، ليسوا مسلحين ولا مقاتلين، بل إنهم مسالمون منذ أن وطئت أرجلهم نيوزلندا، لكن في رأيي أنّ هذه الهجمات، وغيرها التي سبقتها، ليس مبررها ما جرى في بعض دول الغرب، بل إن المبرر هو اختلاف الدين والتمايز وقوة التأثير التبشيري لهذا الدين في الغرب، والذي أصبح أكثر الأديان انتشاراً، كما قال الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" ولذلك فإن اليمين تحركه الدوائر القريبة من المؤسسات الصهيونية قوة المال وقوة الإعلام، والغريب أنّ هذا أصبح رؤية ثابتة عن الإسلام والمسلمين، وهو يريد أن يفرض نفسه عليهم وعلى فكرهم، فلماذا هم مختلفون عن الغرب وفكره؟ ولماذا يتميّزون عنه وهو المتقدم حضاريا؟ ولعلّ أصدق تعبير عن هذه الكراهية للإسلام والمسلمين ما نقله الروائي الأسباني خوان غويتيسولو في كتابه "دفتر سراييفو" لأحد البوسنيين: " أنّ جوهر المشكلة يكمن في أنّ هناك الكثيرين من الأوروبيين ما زالوا يرفعون راية المواجهة التاريخية بين المسيحية والإسلام وأشباح كوابيس الماضي. فالغرب يعتقد أنه يمتلك زمام الحقيقة والأخلاق والاستقامة. ولكن سياسته تكشف هذا الادعاء يومياً. فالواقع أنّ الغرب يريد أن يفرض سيطرته السياسية والاقتصادية على جميع الشعوب المسلمة، وأيضاً على كل ما يسمى بالعالم الثالث عموماً. يحاول بكل ما يملك من وسائل منعنا من أن نتحد. يريد أن يقنعنا بعدم قدرتنا على حل مشاكلنا من دون الاستماع إلى نصائحه ومساعدته. إنّه يعرف تفوقه التكنولوجي والاقتصادي والعسكري جيداً، لكنه يخشى قوتنا الروحية التي يفتقر إليها، وهو يعرف أنّه يفتقر إلى هذه القوة الروحية "!
وهذا بلا شك نظرة سلبية ولا تلتقي مع رؤية الغرب وكتاباته كفكر منفتح على الآخر، من حيث إنّه يتحدث كثيراً عن القبول بالآخر المختلف، ويقبل بالتعددية والديمقراطية، ولكن هذه المواقف السلبية، تستدعي تلك الأفكار التي أتت بالحروب الصليبية، وبمحاكم التفتيش المنطلقة دينياً وفكرياً للإقصاء، واليمين المتطرف في الغرب يقود هذه الأفكار؛ صحيح أنّ هذه الأفكار يرفضها الكثيرون في الغرب، ويمثلون الغالبية، لكنّها الغالبية التي ليس لها ذلك التأثير الذي يلجم هذا التطرف المتعاظم في بيئته، والإشكالية أنّ بعض السياسيين، يتعاطفون مع هذه الأفكار الاقصائية في الكثير من الدوائر الغربية، وما قاله هذا المتطرف من أنّه يعتبر الرئيس ترامب مثله الأعلى يؤكد ذلك، كما نقل عنه في بعض كتاباته المتطرفة، وهذه إشكالية، يجب النظرة إليها نظرة واعية وجديرة بالتوقف عندها، فلا بد من تقصي ومناقشة مثل هذه الأفكار التي تدعو للتطرف والإقصاء للآخر المختلف.. وللحديث بقية: