إلى شادي.. الخطاب الرابع

 

منال السيد حسن

 

عزيزي/ شادي

تحية من وطنٍ ثَكُولْ

أما بعد...،

أمَا وقد رحلت.. رحلت وتركت بابي مُودعًا.. مُلوِّحا بيدك دون حراك

غبت وتركتني للذبول.. مآلي للوحدة والوجع

أتماسَك وأظهَر بكلِّ ثبات وقوة.. لكنني أموت قهرا كل يوم

يا شادي؛ بئس المسافات اللعينة التي تفصلنا عمَّا نشتهي

كنت أنتحبُ في داخلي حد لحظة مفارقة الروح الجسد.. واقفةً كنتُ، ولا يأبه أحدٌ لدموعي

تمنيتُ لو أقاضيهم جميعًا، وأقسمتُ على ذلك.

(.... طال هذه المرة) كَتِفُكَ صار مُتكأ لوقتٍ أطول.. شعرت هذه المرة وفقط بعُمقِ حزنك كونك تغيب

كُنت تتساءل عن دمعي، وكنت أتوسل لهم في صمت أن يُنادِى أحدٌ يعطيني تأشيرة للمرور

وأنت واقف في ثبات.. أشعر بشفقتك علي ووجعك وأعرف أنه ليس باليد حيلة يا حبيب

بقلب محروق يتفطر دمعًا ودمًا، ودَّعتك عند مدخلٍ ضيقٍ بين شريطين، تمسَّكت بهما بقوة كي أتماسك.. وعلى آخِر طرف للرقعة التي تقف عندها ركزتُ نظري على حذائك، متمنية ألا تتحرك قدماك.. ففي تلك اللحظة الفارقة التي تقتلع فيها روحي من جذورها.. أموت

قبعت في مكاني وكل خلية في روحي تصرخ ألمًا، وتهتف في صمت لتبقى قليلا.. قليلا فقط.

كم يُصبح العالم جحيما في غيابك!!

يا شادي.. في كلِّ زاوية بعض منك وكلٌ من خلاياك

في كلِّ ركنٍ أراك.. أما تشبع من ترك ذكريات لي بقدر ما هي حلوة بقدر ما هي موجعة؟! وبحكم أنك (ملول) أما مللت البُعد عني؟!

عزيزي؛ أما اشتقت أن نطعم الطيور سويا؟.. أتعجب؛ كيف لقلب رحيم مثل قلبك يئن لمرض عصفور صغير ويقوم بعلاجه في وجع وألم حزنا عليه.. أن يتحمل وجع القلب في الغياب؟!!

أعلم يا عزيزي أن الأمر كله بيد الله.. وأعلم أنه قادر على كل شيء.. وأدرك تمام حقيقة أن الصبر مفتاح الفرج.. وأؤمن بأنَّ الله إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون، ولكن الروح تئن.. والله يا حبيب تئن.

خساراتي فادحة في غيابك.. الحزن يتلف قلبي.. أقسم لك وجع القلب أعظم من أن يوصف.

يرتجف الصوت في أعماقي وأنا أحاول جاهدة أن أظهر بكل ثبات أمامهم.. أحاول التماسك وأن أقوى على التحكم في وجعي.

لا قدرة لي أبدا على استعياب فكرة أنك لست هنا إلى جواري.. أنك بالقرب.

عزيزي.. لن أنسى أبدا نظرتك تلك المترامية على حدود نظرتي.. ولا عيونك التي بكت في صمت لوم بكائي.

لن أنسى أناملك كيف كانت تُسحب من بين أطراف أناملي.. ولا كيف لوجعٍ أن ينهك خلاياي بأكملها في لحظة مفارقتك حين أدرت ظهرك لي مودعا.

لن أنسى ذكرياتنا الجديدة، ستضاف لما سبق، أخاف أن تبقى حياتي معك مجرَّد ذكريات بسرقة بعض من الوقت فقط، وظني في الله أجمل من أي شيء، لن يخذلنا الله.. لن يضيعنا.. لن يفجعنا.. برحمته لن يكتب لنا مزيدا من الوجع.. إنه يعلمنا الصبر يا حبيب.

أما كنت دوما توصيني به.. أما كنت دوما تقول لي "إذا صبروا".

مضى الكثير وبقي القليل.. ولا أعلم هل أواسي نفسي حزنها في غيابك.. أم أواسي قلبك في الغياب حزنهُ؟! كل الذي أعلمه يا رفيق دربي.. أنني هنا أنتظرك.. بكل الصبر وقوة احتمال كل ما لا يحتمل.

بكاء روحي الشاهد على حبك وفجيعتي بغيابك.. نحيب القلب الشاهد على عذابي.. ضيق الصدر واختناق أنفاسي الشاهد على وجعي وتوجعي.

يا عزيزي.. أنا هنا أعيش على أمل اللقاء.. وجميل النظر إليك.

أنا هنا أبصرك في كل شيء تعايشناه رغم أننا لم نعشهُ.

أنا هنا أدركك.. أدركك كلك في حلو التمعن إلى وجهك.

أنا هنا أشعر بنبضاتك في الأعماق.. وأشعُر كيف لقلبٍ أن يشعر نبضات قلب آخر بداخله دون وجوده.

أنا هنا وسط نظراتك أسبح.. أتعلم فن العوم.. أهرب من نظرة لأخرى.. وأشعر بلهيب التمرد حين ضمة منهم.

أنا هنا بين حبوب الـ(nuts) التي تحبها أستشعر حراكها في فمك.

أنا هنا وأنت هناك.. وقلوبنا وأرواحنا معا تعيش على جملتك المفضلة "إن شاء الله ربنا هيجمعنا".

تعليق عبر الفيس بوك