ترامب "مثل أعلى" للمتهم باعتباره "رمزا للهوية البيضاء المُتجددة"

يد "مجرم نيوزيلندا" تنطق بلغة العنصرية.. لا الدين

...
...
...

الرؤية – هيثم الغيتاوي

أمر القاضي المُكلف بمُحاكمة "المجرم المتهم" بارتكاب مذبحة المسجد في نيوزيلندا بـ"تمويه وجهه" عند نشر صور المحاكمة في وسائل الإعلام، بينما "الإرهابي" نفسه كان حريصًا على توثيق جريمته عبر بث مُباشر على "فيسبوك" وظهر بوجهه في بداية البث؛ فهل يُزايد القاضي على المتهم نفسه في الالتزام بحقوقه كمتهم خاضع للمُحاكمة؟! على كل حال كان إجراء "تمويه الصورة" من نصيب وجه المُتهم فقط؛ لذلك تكفلت يد المتهم بإيصال مزيد من الرسائل للجميع؛ تأكيداً لجريمته؛ وإمعاناً في إظهار الوجه العنصري للجريمة. أشار المجرم لمصوري وكالات الأنباء بعلامة تُعرف بدلالتها على "تفوق العرق الأبيض" حتى وهو خاضع للمُحاكمة؛ بينما يصر قطاع واسع على رؤية الأمر من زاوية دينية فحسب.

صحيح أنَّه كتب عبر حسابه على "فيسبوك" أنَّ العملية تأتي "ثأرا للمسيحيين الضحايا الذين قتلوا في هجمات داعش"؛ لكنه كتب أيضاً عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤيدًا خطاباته ذات "النزعة القومية البيضاء"؛ واصفاً إياه تحديدا من بين باقي "زعماء الشعبوية" حول العالم بأنَّه "رمز لإحياء الهوية البيضاء"؛ إضافة إلى عبارات صريحة من نوعية: لا مكان للمهاجرين "الغزاة" في الغرب.

يشكل المسلمون 1% فقط من إجمالي عدد سكان نيوزيلندا، فما التهديد الذي رآه هذا "المجنون" في وجودهم؟ وإن كان ثمَّة تهديد؛ فهل هذه طريقة احتجاج يُؤيدها "الدين المسيحي" الذي يزعم المجرم أنَّه ارتكب جريمته ثأرا للمنتمين إليه؟ هذا الجنون والعنف والعنصرية التي أظهرها مقطع الفيديو لا تتوافق حتى مع عقلية "عابد للأحجار"! ركز الغرب – ولا يزال – في تناوله لقضايا الإرهاب مؤخرا على "داعش" ومقاتليه العائدين إلى أوروبا؛ حتى جاءت هذه الجريمة لتقول للغرب – وللجميع - إنَّ الإرهاب والتطرف ليس حكرا على دين أو مُجتمع أو عِرق؛ فهل من مُستمع؟

على ما يبدو فالإجابة: لا؛ المكابرة "آفة حارتهم"؛ فها هو ترامب يُشارك زعماء العالم "حزن البيانات العاجلة" و"الاستياء الورقي الدبلوماسي المحسوب"؛ ثم يختتم تصريحاته بإجابة ذات دلالة على سؤال حول ما إذا كانت (النزعة القومية البيضاء تمثل تهديدا متزايدا) بقوله: (لا أعتقد ذلك... فقط هناك مجموعة صغيرة من النَّاس تعاني من مشكلات خطيرة)!

وسيبقى اللاجئون والمهاجرون مفتاح أي حديث جاد في هذه القضية وغيرها؛ حتى وإن أخذت أحيانًا صبغة دينية فاضحة؛ وهو ما نلمسه مؤخرا في موجة انتخاب المُتطرفين والشعبويين الذين شيطنوا المهاجرين واللاجئين؛ والمسلمين على وجه الخصوص، كما حصل مع ترامب في أمريكا، ومع فكتور أوربان في المجر؛ ولا نغفل ذلك التأثير الظاهر – جزئياً - في تصويت الشعب البريطاني في استفتاء "بريكست" لمعارضته استقبال اللاجئين في إطار الالتزام الأوروبي.

ومن المُفارقة؛ أنَّ الجريمة وقعت بينما تستعد أستراليا لإحياء الذكرى السنوية لجريمة أخرى توصف محليًا بأنها (أبشع مجزرة شهدتها أستراليا في تاريخها) وهي مجزرة Port Arthur التي راح ضحيتها 35 شخصاً من مُختلف الأعمار دون مبرر أو (تمييز ديني أو عرقي!)؛ وقد كانت هذه المجزرة تحديدًا سببًا مباشرا في إقدام نيوزيلندا على حظر تداول الأسلحة "شبه الآلية" خوفاً من تكرار مثل هذه الجرائم على أراضيها؛ لكن الأيام دارت؛ وحدث ما خشيته نيوزيلندا قبل 23 عامًا؛ حيث وقعت الجريمة هذه المرة على أرضها وبالسلاح ذاته وبعدد أكبر من الضحايا، لكن هذه المرة بتمييز ومبرر عِرقي حقير.

وكان منفذ الهجوم قد نشر بيانًا على "فيسبوك" قبل تنفيذ الحادث؛ قال فيه إنِّه كان يُخطط للهجوم منذ كان في زيارة إلى أوروبا في 2017، وحمل البيان عنوان "البديل العظيم"، وهي عبارة استخدمت للمرة الأولى في فرنسا، وتحولت إلى هتاف رئيسي تردد على ألسنة المُتطرفين المناهضين للهجرة، كما شرح في بيان من 74 صفحة عن دوافعه التي تمحورت حول اعتقاده بأنَّ المهاجرين يمثلون خطرا على "الهوية البيضاء" للغرب.

وأخيرًا؛ انشغل قطاع واسع بتحليل الخطاب الإعلامي الغربي للجريمة، واستنكار الإصرار على عدم وصف الحادث بأنّها عملية إرهابية؛ وهم في ذلك على حق؛ وإن كانت رئيسة وزراء نيوزيلندا ذاتها قالت أول ما قالت بشكل واضح إنّه "هجوم إرهابي استهدف بلدنا المسالم"؛ غير أنَّ من شاهد البث المباشر للجريمة أو الفيديو المسجل، الذي سارع "فيسبوك" إلى حذفه، ربما يشعر من أثر المشاهدة على نفسه بأنَّ هذا القاتل قد ارتكب تصرفاً أكثر تعقيدا من وصفه بـ"الإرهاب أو العنف"؛ وأننا في حاجة إلى "كلمة جديدة" تستوعب ما في ذلك التصرف من عنصرية وتطرف وحقارة وجنون وقسوة؛ ولا مبالاة في الوقت ذاته!

 

تعليق عبر الفيس بوك