حمود بن علي الطوقي
قد أكون محظوظا أنّي عاشرت وعايشت أروقة الصحافة الورقية بكل تجلياتها، كان من يطرق هذا الباب يعتبر من الصفوة، كونه يحمل شعلة المعرفة والبحث عن الحقيقة مهما صعب الأمر، وأزعم أن جيل السبعينيات والثمانينيّات وحتى التسعينيات كان أكثر حظوظا؛ حيث تشرب مهنة الصحافة بكل تفاصيلها وتعرف على الأقسام المختلفة، ومن خلال هذه الأقسام تعمّق في التعرف على أبجديات العمل الصحفي، الذي تميز بالمهنية والمصداقية على الرغم من الإمكانيات البسيطة التي كانت في الأساس هي محور نجاح الصحفي.
الصحافة كرسالة ظلّت مهنة مقدسة وشعارا يرفع على أجنحة الإبداع في عالم كان يعتبر الصحافة منبرا ومعلما ومصدرا لديناميكية الحياة.
هذه الصحافة التي عرفناها ساهمت في خلق علاقة حميمة بين الوطن والمواطن؛ فقد كانت ملاذا لكل من يبحث عن معرفة الحقيقة، والبحث عن المعلومة من المصدر.
كانت الصحافة مصدر فخر ومصدر اعتزاز لمساهمتها ومواكبتها مراحل التنمية المختلفة.
نتحدث اليوم عن عالم الصحافة الورقية بعد أن تغيرت بوصلتها، لتبدأ العلاقة بينها وبين المتابعين علاقة طردية لاستحواذ التكنولوجيا على حصة الأسد؛ وبالتالي فتح مجال للمنافسة بين ما هو ورقي وتكنولوجي.
بالأمس وفِي النادي الثقافي تمّ طرح نقاش حول التحديات التي تواجه الصحافة الورقيّة في ظل التوجه والتحول إلى الصحافة الإلكترونية، وعلى الرغم من جدية النقاش الذي استمر لأكثر من ساعتين إلا أنّ الأصوات كانت تنادي بالمحافظة ودعم الصحافة الورقية كونها هي أساس المصدر. وفِي المقابل المطالبة بسن قوانين منظمة ووجود قانون للصحافة الإلكترونية التي أصبحت سهلة المنال كون أنّ صفة الصحفي والإعلامي أصبحت في متناول الجميع فمن السهل أن يُسمي من يتعامل مع التكنولوجيا ولديّه حساب في شبكات التواصل الاجتماعي نفسه بالإعلامي أو الكاتب الصحفي.
الجلسة النقاشيّة التي طرقت ناقوس الخطر على مستقبل الصحافة الورقيّة في ظل وجود حزمة من التحديات طلبت من الجهات الرسمية ضرورة وضع إطار للمحافظة على ديمومة الصحافة الورقية، كونها الملاذ الآمن ومنبع الفكر ومصنع العاملين في بلاط صاحبة الجلالة.
الكلاسيكيون أمثالي ممن تشربوا مهنة الصحافة من خلال الصحافة الورقية يدافعون بكل قوتهم ليبقى عالمهم يكتسب الريادة.
الأصوات التي تعالت لوجود تشريع لحماية الصحافة الورقيّة من استحواذ الصحافة الإلكترونية على حصّة الأسد طالبت بضرورة تشجيع القراءة وتشجيع الجيل الجديد من الانخراط والعمل في الصحافة المكتوبة، وذلك من أجل المحافظة على مكانتها لتظل شامخة على الرغم من التحديات التي تواجهها وتعصف بمستقبلها.
أقول وأنا أتمسّك بمبادئي أنّ الصحافة الورقية لا بد أن تظل ولا يعني هذا أننا لا نريد التطور، بل سنواكب عالم التكنولوجيا والثروة المعلوماتية ونتمسك بمبادئنا في المحافظة على صحافتنا الورقية.
أعلم أنّ هناك من يرى أنّ هذا التوجه بتمسّكنا بالصحافة المكتوبة أمر في غاية الغرابة ولكن ما نراه أنّ الصحافة الورّقية ستظل حاضرةً وشعلة مضيئة مهما تغيّر الزمان.