"باريس".. وعقلية الألقاب

حسين بن علي الغافري

بعد مرور نصف جولات إياب دور الـ16 لدوري أبطال أوروبا، اتَّضحت للجميع أن البطولة هذا العام تسير على صورتها المعهودة، وما كانت عليه من تعقيد للقراءات المسبقة والتوقعات الورقية. مفاجآت عديدة تبدّلت بين ليلة وضحاها، بين ذهاب وإياب. أكبر هذه المفاجآت حملت أخبارا سيئة للجمهور الأبيض العريض بمغادرة الملكي ريال مدريد الإسباني للبطولة مُبكراً، رغم أفضلية الذهاب التي عاد بها من هولندا. ريال مدريد تقريباً ختم على نهاية موسمه في ظرف أسبوع وبدأ التفكير -كما يُتداول عبر أخبار الصحف- عن ثورة متوقعة مع مدرب جديد بصلاحيات واسعة يعيد الريال إلى الواجهة. أن تخسر كل بطولاتك في سبعة أيام وعلى ملعبك مُؤكد أن الأمر يتجاوز عنوان التوفيق من عدمه. كذلك جاءت عودة مانشستر يونايتد الإنجليزي وقلب الطاولة على باريس سان جيرمان الفرنسي مفاجأة مدوية هي الأخرى. النادي الباريسي عانى مجدداً من عدم تقدمه في سلم البطولة الأوروبية مطمعه الكبير.

خُروج ريال مدريد الإسباني يحمل علامة استفهام كبيرة حول رغبة إدارته في حصد الألقاب من عدمه.. الفريق غادره الكثيرون، وأولهم نجمه الأول البرتغالي كريستيانو رونالدو والبرتغالي المدافع بيبي، ومع ذلك فالانتدابات تبدو خجولة وغير طموحة إطلاقاً. ليس اللوم على المدرب الحالي سولاري فيما يحصل للريال، المدرب جاء كحلٍّ مؤقت بعد إقالة لوبتيغي. ومعه الملكي قدَّم صورة طيبة حتى في حال خسارته. من غير المنطقي أن تراهن على لاعبين لا يؤدون في المباريات، وتراجعوا في مستوياتهم الفنية بشكل واضح للجميع. خُروج الفريق من بطولة الكأس أمام المنافس الدائم برشلونة صفعة حقيقية، تضاعفت بعد خسارة مباراته المهمة في الدوري؛ وبالتالي ابتعد كثيراً عن اللقب المحلي، وقد يكون بأنه سلم أمره في المنافسة. إذن؛ فمن الطبيعي أن تأتي مباراة الإياب أمام أياكس الهولندي، وبغياب القائد راموس في الدفاع، وتودّع البطولة.. كلها عوامل مترابطة تشير إلى نهاية حزينة هذا الموسم.. إن لم تكن حصلت.

وفي الجانب الآخر، حملت مُغادرة باريس سان جيرمان من البطولة الأوروبية أخبارًا حزينة على الإدارة القطرية التي أنفقتْ الأموال، وجلبت النجوم، ودفعت في أفضل المدربين، وضاعفت رواتب أعمدة الفريق، وملأت الدكة بأسماء لو وُضِعت في فريق آخر لحققت البطولة الفرنسية بسهولة. ومع ذلك، فباريس يخرج مجدداً من البطولة الأوروبية، ويكرر أخطاءه بنفس الطريقة. يفوز ذهاباً بفارق مريح ويظن الجميع أنَّ أموره حُسمت وتأهله إلى الدور المقبل بات وشيكاً، وتحدث المفاجأة ويغادر. هنا نحتاج إلى وقفة هل خطط الإدارة بناء فريق متكامل مع مدرب مستقر؟ أم أن الأمر كله لتوليف أهم نجوم العالم في الفريق من مختلف الأندية وجلب مدرب ذي سمعة قوية؛ وبالتالي نطالبه بتحقيق اللقب مباشرةً؟ يبدو الخيار الثاني هو أقرب للواقع. الفريق يحاول تحقيق اللقب بأقصر الحلول الزمنية وأراه صعب. ريال مدريد قبل عقدين من الزمن يعمل بهذه الطريقة، وغاب اللقب عنه لسنوات طويلة، وحين عمل توازن بين الانتداب الطموح وإبراز مواهب محلية جاءت الألقاب، وتطوعت له أوروبا أربع مرات في خمسة أعوام. النجاح يحتاج إلى تخطيط وبناء خطوة بخطوة.. جلب النجوم وإغراؤهم بالمال لا يكفي لوحده، الموضوع بحاجة لبناء وصبر واستقرار، عدا ذلك فالخروج من نفس الباب سيتكرر.