انتصار القيم النبيلة

مدرين المكتومية

 

تمُر الحياة بتفاصيلها الدقيقة وبمحطاتها المختلفة.. نقف عند كل محطة لنعيش فيها المتاح من الوقت ونلتقي فيها أيضا بالمتاح من الأشخاص لنرحل مُحملين بكل ما من شأنه أن يصنع لنا التقدم ويضعنا دائمًا على الطريق الصواب، كل ذلك والعالم يتغير من حولنا وسط اندماج الثقافات وتنوع أجناس الذين يعيشون في محيطنا، وفي ظل نظام العولمة وتحول العالم إلى غرفة صغيرة، تتباعد المسافات بين الأجيال الجديدة الشابة والمراهقة، وبين آبائهم وأجدادهم، الذين نشأوا على أسس قويمة من التربية والقيم النبيلة.

ومع كل هذا الانفتاح والتقدم، بتنا نفتقد لمجموعة من القيم النبيلة التي أصبحت غائبة عن الجيل الجديد، تحديدا، فأصبحت تطلعاته وتوجهاته مغايرة تمامًا لما تعودنا عليه من قيم وأفكار ومبادئ، دون اعتبار يُقوِّم سلوكياته وتصرفاته ويحكم قراراته التي قد لا تتناسب مع القيم والمبادئ التي يعيشها مجتمعنا، خاصة وأن تلك القيم هي التي تُعزز تماسكنا الاجتماعي وتغرس المحبة والود في نفوس أفراده، وهي ثابتة لا تتبدل مع تغير الزمن.

علينا أن نعمل جميعًا في صف واحد ونضع أيدينا بأيدي بعضنا البعض، كي نربط سلوكياتنا مع القيم التي تربينا عليها، حتى وإن كانت هذه القيم جملة من أفكار المدينة الفاضلة، لكنها تؤثر على سلوكياتنا بطريقة مباشرة وواضحة، فهذه القيم والمبادئ هي التي تدفع المرء إلى التراجع عن قطع إشارة حمراء، وهي التي تمنعه من السرقة أو الكذب أو الغيبة، ففي جميع هذه المواقف يكون النصر للقيم والمبادئ، لمن يتحلون بها. لذا علينا أن نترجم هذه القيم والمبادئ في سلوكنا اليومي وفي معاملاتنا مع الآخرين.

إنَّ القيم النبيلة تمثل أهمية كبيرة في تطور المجتمع وتقدمه، ومواجهة تحديات الحياة ومتغيراتها السريعة التي دفعت الكثير منِّا لنسيان أو ربما تناسي ما يجب عليه من واجبات ومسؤوليات، والحال كذلك لأبناء الجيل الجديد، الذين تهاجم حياتهم الكثير من الأفكار الدخلية ويختلطون بالكثير من الأشخاص المختلفين معنا في الفكر والعقيدة ومنظومة القيم.

ولعل المُهدد الأكبر لمنظومة القيم المجتمعية ما أفرزته وسائل التواصل الاجتماعي من إذكاء للمشاعر السلبية وإتاحة المجال أمام ضعاف النفوس كي يتسللوا إلى تفاصيل الحياة اليومية للآخرين، لا ليشاركوهم أفراحهم وأتراحهم، بل ليرضوا ذواتهم المريضة.

لا شك أنَّ للقدوة في هذا الجانب الدور المهم والمؤثر على شخصية الفرد، فوجود الأب القدوة والجد القدوة له المردود الكبير في تنشئة الأبناء تنشئة سليمة.

من هنا علينا أن نشد على أيدي بعضنا البعض خاصة لإيجاد القدوة المجتمعية، فالآباء يجب أن يكونوا قدوة لأبنائهم، فعلى سبيل المثال من المستغرب أن ينصح الأب ابنه بالابتعاد عن التدخين فيما هو يدخن أمامه بأريحية، ويطالبه كذلك بالتوقف عن المُمارسات الخاطئة والسلبية وفي المُقابل يقوم هو بتطبيقها في حياته وداخل المنزل، فالازدواجية في القول والعمل تعكس حالة من فصام الشخصية، ولذا نجد الأبناء يمارسون الكثير من الأعمال الخاطئة بشكل سري وفي الخفاء حتى لا يتعرضون للعقاب، وليس لأنهم يدركون أنَّ ما يقومون به أمر خاطئ، فلو أنهم ضمنوا عدم تعرضهم للعقاب لقاموا بالمخالفات جهارا نهارا!!

دعوتي لكل فرد في مُجتمعنا، أن يتقيد بالقيم النبيلة التي تربينا عليها، والتي تعزز من قيمته أمام الآخرين، والتي تجعله يسير على طريق الصواب.. فقيم الصدق والأمانة والشجاعة والكرم التي يشتهر بها مُجتمعنا العماني محل إشادة من الجميع، فكم من زائر للسلطنة يسعد بما يجده من حسن المُعاملة والأخلاق الحميدة، ثم ينشر ذلك عبر حساباته على التواصل الاجتماعي، فيشاركه الآخرون الرأي ويؤكدون صحة انطباعاته.. إنَّ مثل هذه المواقف تمنحنا القدرة على مواجهة السلبيات وتعزز إيماننا بأننا سنظل محافظين على قيمنا مهما تبدلت الأحوال والعالم من حولنا، وأننا سنظل ثابتين ومؤمنين بقيم الحق والخير والجمال.

madreen@alroya.info