دلالات ومفاهيم زيارة الأسد لطهران

جمال الكندي 

زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران ولقاؤه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، والرئيس حسن روحاني تحمل دلالات ذات أبعاد سياسية واقتصادية  وعسكرية، وجاءت ضمن سياقات زمنية تحاكي الانتصار السياسي والعسكري لمحور الممانعة والمقاومة في المنطقة، هذه الزيارة وظفت إعلامية لخدمة تحالف متين بين سوريا وإيران وروسيا، الذي أظهر تماسكاً سياسياً وعسكرياً حاولت وسائل الإعلام الغربية بين فترةً وأخرى إبراز وجود تباين في التوجهات العسكرية والسياسية بينهما، وتهميش القرار السيادي الوطني السوري.

قبل الدخول في أبعاد زيارة الأسد لطهران ودلالاتها للداخل والخارج، لابد لنا أن نضع الإطار العام لحلفاء سوريا الذين زارهم الرئيس بشار الأسد "الروس والإيرانيون" فهما قد تدخلا عسكرياً في سوريا، وكان لهما التأثير الكبير في إفشال المشروع المعد من قبل أمريكا وبعض حلفائها العرب لتغيير التوجه السياسي والاقتصادي لهذا البلد.

هذا الإطار يظهر لنا العلاقة بين سوريا وحلفائها مبنية على أي أساس!! لذلك فلو نظرنا للحليفين الأساسيين لسوريا "الروس والإيرانيين" سنلاحظ، أن النظامين البنيويين "الإيراني والروسي" يختلفان من الناحية الأيديولوجية، فالنظام الإيراني هو نظام إسلامي، والنظام الروسي هو نظام علماني، ولكن الذي يجمعهما هو الحليف السوري والدفاع عنه في المنطقة والذي يحارب منذ ثماني سنوات جماعات مسلحة تستمد قوتها المالية والعسكرية من مشارب مختلفة تحمل أجندات متنوعة في التعاطي مع الأزمة السورية مع وجود محرك واحد يأمرها ويسيرها.

التباين الروسي والإيراني يكمن كذلك في الاختلاف في وجهات النظر السياسية بخصوص العلاقة مع إسرائيل، فالروس يتبنون ما يُسمى في السياسة "أمن إسرائيل" وليس والدفاع عنها ولهم علاقات سياسية ودبلوماسية معها، بالمقابل فإنّ إيران ما بعد الثورة أصبح عدوها الأول هو الكيان الصهيوني.

لذلك إذا وضعنا حلفاء سوريا في الميزان سندرك اختلاف توجهاتهما في النظرة إلى الحليف السوري، فروسيا تدافع عن سوريا كونها منطقة نفوذها الوحيدة الباقية في الشرق الأوسط، ولا تريد أن تخسرها، وتخسر وجودها في المياه الدافئة، وهي كذلك ساحة صراع مصالح مع عدوها التقليدي الأمريكي.

أمّا الإيرانيون فهم بالنسبة لسوريا حلفاء فكر قبل أن تجمعهم المصالح الاقتصادية، مع وجود اختلاف في التوجه بين البلدين، فأول إسلامي والآخر بعثي علماني، والقاسم المشترك بينهما هو العداء لإسرائيل ودعم قوى المقاومة في فلسطين ولبنان مع ملاحظة عدم وجود هذا العنصر الفكري القوي مع الحليف الروسي الذي تجمعه علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني.

العلاقة الاستراتيجية القويّة بين سوريا وإيران ظهرت خيوطها الواضحة خلال سنوات الأزمة السورية بالدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الذي قدمته إيران للحكومة السورية، وفي مساندتها جماعات محسوبة على النظام الإيراني تدعم الجيش السوري.

إنّ الحفاوة الكبيرة التي أظهرها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي عند لقائه بالرئيس بشار الأسد لها معانٍ ورسائل ودلالات ترسل للمحور المعادي للدولة السورية، ولمن كان يظن أنّ الأوان قد حان للانفتاح على الدولة السورية وتعطيل أي مشاريع مستقبلية سيكون لإيران نصيب الأسد فيها، هذا اللقاء المفاجئ في هذا التوقيت بالذات هدم التطلعات الفاشلة، والتي لا تعلم ماذا يعني التحالف الفكري الاستراتيجي بين سوريا وإيران.

زيارة الرئيس بشار الأسد لطهران لها أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية،  وسنبدأ بالبعد العسكري ودلالاته، فهذه الزيارة جاءت بعد بروز مؤشر عسكري مهم في الجغرافيا السورية عنوانه تحرير مناطق التماس العسكري مع العاصمة دمشق في ريفها الشرقي والغربي، وتحرير الجنوب السوري الذي كان بدوره يعطي الفرصة للكيان الصهيوني وغيره للتدخل في الشأن السوري عبر دعم الجماعات المسلحة هناك، وتحرير مناطق الاقتصاد السوري في حلب ودير الزور، هذا الانتصار العسكري الكبير غيّر من الوضع الميداني في سوريا وبدل المعادلة العسكرية من سيطرة الجماعات المسلحة إلى سيطرة للدولة السورية بنسبة تفوق 75% فكان لقاء الأسد في إيران رسالة لمن يهمه الأمر أنّ التحالف العسكري السوري الإيراني الروسي حقق نتائجه على الأرض، وهي رسالة عسكرية لمن تبقى من المسلحين سواء في شمال سوريا المدعومين من الأتراك، أو شرق سوريا المدعومين من الأمريكان بأنّه بعد نصر سوريا العسكري لم يبق سوى هاتين المنطقتين ولابد لهما أن ترجعا إلى حضن الدولة السورية سلماً أو حرباً .

البعد السياسي في زيارة الأسد لطهرن كان واضحاً بالترحيب الكبير الذي لمسه من قبل رأس الهرم السياسي في إيران فقد عززت الزيارة العلاقة السياسية والاستراتيجية بين البلدين التي لها قواسم مشتركة في مواجهة المخططات الغربية على البلدين، وكانت الحرب الكونية على سوريا واحدة من أهم الركائز لتحويل هذا البلد من ضفةً إلى ضفةً أخرى تتناغم مع السياسة الأمريكية والغربية في المنطقة.

التحالف السياسي والعسكري بين سوريا وإيران أخرج لنا البعد الثالث في علاقة البلدين ممثلا في الجانب الاقتصادي فقد سبق زيارة الأسد إلى طهران توقيع البلدين اتفاق تعاون اقتصادي شمل قطاع النفط والطاقة الكهربائية والزراعة والقطاع المصرفي، والزيارة أرسلت رسائل اقتصادية مهمة وهي أن مشروع إعمار سوريا سيكون لحلفائها نصيب الأسد منه، وهذا تتوج للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين.

زيارة الأسد لطهران جاءت لإعلان انتصار خيار الشراكة الاستراتيجية بين سوريا وإيران وروسيا وقوى المقاومة في لبنان، وبأنّ هذا المحور قال كلمته في سوريا، التي مفادها: لا وجود لقطب واحد يهيمن على السياسة والاقتصاد في المنطقة، ولابد من إعادة صياغة المنظومة العالمية على أساس الاحترام الكامل، وليس غير المفهوم لسيادة الدول، وقبول خياراتها السياسية والاقتصادية.

الأكثر قراءة