الطريق إلى مجلس الشورى

 

مسعود الحمداني

 

تجربة الشورى تجربة وطنية وليدة لم تُفطم بعد، تقودها مجموعة من المواطنين الذين تختلف توجهاتهم، وأغراضهم، وميولهم، وشخصياتهم، يخرج بعضهم فجأة دون سابق إنذار من ظهر القبيلة، ويخرج آخرون من بطن التكتلات الأسرية، وفئة ثالثة من زوايا المجهول، يدفع بعضهم المال ليصل وهي حقيقة غير غائبة عن وزارة الداخلية، بينما يأتي بعضهم متسلحا بالمعرفة والاستقلالية، ويرفض أن يلّوث سيرته الانتخابية برشوة المرشح، وقد ينجح وقد لا ينجح حسب وعي المجتمع وإدراكه للمسؤولية، وفهمه للشورى، ولعلهم قلّة.

بعض أعضاء المجلس وصلوا إلى المقعد البرلماني عن طريق "الدفع المباشر" أو غير المباشر، وآخرون اقترضوا من البنوك، وباعوا ما يملكون، وما لا يملكون في سبيل أن يكون لهم "صوت" تحت قبة المجلس، من خلال شراء ذمم المواطنين بعشرة ريالات أو أقل أو أكثر، واعتمدوا في الترويج لحملتهم الانتخابية على شخصيات مجتمعية معينة لجذب مزيد من "المؤيدين" الذين لا يعرفون عنهم شيئا، أو أولئك الذين لا يستوعبون دور المجلس أو تجربة الشورى، وكثيرا ما اعتمد هؤلاء المترشحين على أصوات البسطاء من الناس والأميين، وعلى الفئات العمرية كبيرة السن "العجائز" وخاصة النساء، على اعتبار أنّ هذه الفئة هي الأقل حظا من التعليم، ويمكن لها أن ترجّح كفة أي مرشح، ولذلك يركّز المترشحون عليهم لكسب تأييدهم، مقابل توفير النقل والطعام والشراب وبعض الريالات.

هذه الفئة من المترشحين الذين وصلوا عبر شراء الأصوات ليسوا مؤهلين لقيادة وعي المجتمع، وليسوا بالتالي قادرين على صنع مكسب للوطن وللمواطن، لأنّ وصولهم نفسه لم يكن "شرعيا"، وأتى البعض منهم للمجلس وفي ذهنه هدف معين يسابق الزمن ليحصده قبل نهاية فترته الانتخابية، ولا تخلو من مثل هذا العضو مكاتب الوزراء ومن في حكمهم، حيث يترددون بشكل شبه دائم لا لمناقشة المصالح العامة، ولكن لتخليص معاملاتهم الخاصة التي ما كان لها لتقضى لو لم يكونوا أعضاء في مجلس الشورى.

أيضا من الفئات "المتطفلة" على الترشّح للمجلس أولئك الذين يظهرون فجأة أيام الانتخابات، وهم الذين لم يكن يراهم أحد من الولاية طيلة حياتهم، ويبدأ هؤلاء في حشد الأصوات، والتسويق لأنفسهم عبر شهاداتهم العلمية وسيرهم الذاتية التي لا يعرفها غيرهم، وهم عادة لا ينجحون في التأهل؛ لأنّ المجتمع له نظرته في هذا الأمر، وقد يكون من بين هذه الفئة كفاءات جيدة، ولكنّها كفاءات مجهولة، وغير فاعلة مجتمعيًا، وليس لديها رصيد اجتماعي كافي، ولذلك يفشلون في الوصول غالبا.

وهناك عدد من الممارسات الخاطئة التي يلجأ إليها كثير من المترشحين للمجلس والتي تفرّغ أحيانا العملية من أهدافها العليا، ونخشى أن تعم هذه الممارسات إذا رأى المترشح الشريف أن وصوله للمجلس قد لا يمر إلا عبر الطرق الملتويّة. ولعلّ المراهنة على الوعي المجتمعي، ونضج التجربة بفعل الزمن ليسا كافيين لكي تصل تجربة الشورى إلى كمالها، أو على الأقل إلى أفضل مستوى لها، فنحن بحاجة قبل كل شيء إلى القضاء على الظواهر السلبية التي تشوب الانتخابات، وهي عملية متكاملة تقع مسؤوليتها على عاتق الحكومة "إداريا وإعلاميا وتشريعيا" من جهة، وعلى المترشحين والمواطنين أنفسهم من جهة أخرى، حيث يجب أن يرتقي المواطنون "مرشحون ومترشحون" بتفكيرهم ووعيهم إلى كون هذه الممارسة الديموقراطية مكسبا وطنيا لهم يجب الحفاظ عليه من العيوب والشوائب لأنّه أملهم القويّ أمام التشريعات التي تضر بمصالح المواطن، وسيتحمل بعض أعضاء مجلس الشورى الذين يتبعون وسائل ملتوية وغير شرعية للوصول لكرسيّ المجلس مسؤوليتهم أمام الله والوطن والتاريخ.

قبل الختام..

تحية لأولئك الشرفاء في مجلس الشورى الذين وصلوا إلى قبة المجلس بكفاءتهم، ودون أن يخترقوا غلالة القوانين، ودون دفعٍ أو شراء ذمم.