مستقبل أوطاننا ومستقبل الديمقراطية فيها

 

غسان الشهابي

لم تفاجئني مقولات لمستمعين ومشاهدين لـ "بي بي سي" عند الحديث عن ليبيا وأوضاعها الحالية، فلقد صرّح أكثر من طرف من أطراف المتداخلين في البرنامج بأنّهم يفضلون عودة نظام القذافي على الوضع الفوضوي اليوم.

هذا التصريح لا يخصّ ليبيا فقط، فقد أطلق المصريون قبل سنوات حملة "آسفين يا ريّس" يعتذرون للرئيس المصري السابق مبارك ويتمنون عودته، كذلك النغمة في اليمن حسرة على صالح مقارنة بأوضاع اليوم، وأختها في العراق، وكلها أقوال صحيحة لأنّ تجارب التغيير فاشلة، لانعدام الأمن، وسيادة الفوضى والفساد أضعاف ما كان عليه، وتفتت الشكل الأساسي للدولة، واهتراء مؤسساتها؛ كل هذا وأكثر جعل الشعوب تعيش خوفاً مضاعفاً لا تدري من أي يمكن أن يأتيها؛ لأنّها كانت في الماضي تعرف أنها إن تجنبت أموراً محددة، وقامت بأمور محددة، فإنها ستعيش الذل، ولكنها ستعيش، بينما في أوضاع حالية، وخصوصاً ما بعد "الربيع العربي" فإنها لا تدري ما الذي عليها فعله لكي تتجنب الموت والذعر اليومي.

لقد أدت النماذج السيئة المتخلقة عن هذه الأوضاع التي لم تهدأ بعد منذ ثماني سنوات، إلى انتفاخ صدور الأنظمة المانعة للديمقراطية، وزيادة خيلائها، مستعرضة نظريتها القديمة بأنّ الديمقراطية لا تصلح للوطن العربي، ولا تناسب شعوب هذه المنطقة، ويظهر لها أيضاً من يسهم في تقعيد هذه المسألة، ويروّجها ويفسّرها ثقافياً حتى يبرر للأنظمة القمعية أنّها إن سجنت أو قتلت أو نفت أوعذّبت؛ إنما تفعل ذلك رأفة في القطاع الأعرض من الشعب الذي لا يعرف مصلحته، فالمسألة – كما يروَّج لها – تكمن في الجينات، ولن تستجيب لنا الديمقراطية ولن نخضع لها، ولا اعتراض على أمر الله.

هذه المبررات، على واقعيتها فإنّها غير صحيحة، إذ نسجت الأنظمة الشمولية، وتلك ذات الديمقراطية الشوهاء، حول نفسها أسيجة من المنتفعين المرتبطين بها وباستمراريتها، والذين يضيرهم جداً تهاوي هذه الأنظمة وفقدانهم – بالديقراطية الحقيقية – منافع ومكاسب وسطوات لا تتأتى لهم في ظل المراقبة والمحاسبة. وفي الوقت نفسه، فإنّ النخب العربية والكيانات المجتمعية في حال من الضعف والتردي وافتقاد الفاعلية بما لا يمكّنه من النهوض بمسؤولية إعادة الأمور إلى أنصبتها. وحتى تستطيع ذلك سيتراجع إيمان الشعوب العربية أكثر وأكثر فيما يمكن أن تفعله الديمقراطيات في مجتمعاتها.

تعليق عبر الفيس بوك