"طيفٌ عابرٌ" في سماء مسقط

 

سلطان بن خميس الخروصي

ضمن سلسلة رواياته صدرت مؤخرا للكاتب العماني خليل خميس رواية "طيف عابر" وهذه الرواية تختلف كمّا ونوعا عن سابقاتها من الروايات؛ فبالرغم من أنَّ لكل رواية أجواءها الخاصة وأسلوبها المتفرِّد، إلا أنَّ "طيفٌ عابرٌ" تميَّزت بالكثير من الميزات والثيمات الحقيقية في الفن الروائي.

فسابقا كان الكاتب يتَّبع التبسيط والمباشرة في أكثر رواياته بحيث يستطيع أن يُخاطب كل الطبقات الاجتماعية لكن الرواية الأخيرة وبالرغم من محاولته النزول لمستوى القارئ من ناحية الأسلوب إلا أنه ارتفع قليلا إلى مرتبة المثقف والطبقة التكنوقراطية في المجتمع، ورغم أنَّ الرواية مُغلَّفة بقصة حُب عفيفة أو إعجاب عفيف – إذا صحَّ التعبير- إلا أن الكاتب استطاع بمهارة وحرفيَّة أن يُمرِّر من خلالها الكثير من القضايا الفكرية والفلسفية والاجتماعية الشائكة، فمثلا تجده يتحدث عن فلسفة الحب والاستشراق وأهمية الفلسفة والنظرية الوجودية وثقافة اختلاف الرأي ونظرية التحليل النفسي في الأدب وغيرها من القضايا بكل جرأة وجسارة، فمثلا وفي أحد مواضعها وضمن حواراتها المتعدّدة يقول" "الَّذين انجرفوا وقادوا تيَّار تحقيق الذات أدركوا أخيرا بأنها مبالغة قادت إلى الإفراط والتمرُّد على كل شيء ليُصبح الاهتمام مُنصبَّاً على المُتع واللَّذات النرجسية".

ورغم أنّ القضايا تُطرح على بساط أحمدي، لكنّ القارئ يلحظ أنّ قلمه حاول أن يوازن بتمرُّسٍ روائيٍّ أن يعرض فكرة كل طرف ودفاعه دون أن يتدخل الكاتب بتبنِّي هذا الرأي أو ذاك، فالأمر متروك للقارئ أولا وآخرا. ومن الأمور التي تميَزت بها الرواية أنَّها جُلَّها كان مبنيا على الحوار والذي شكل أكثر من 95% من بنيتها، كما أنّ الكاتب ابتعد هذه المرَّة عن أسلوب الوصف المستفيض وضخَّ الكثير من الحوار بين كريستينا وأحمد- بطلا الرواية- كما أن مداد الكاتب ينقلنا إلى بلاد لا يعرف أحد عنها شيء فوصف لنا سمات أهلها وطبيعتها وكأنّه في أدب الرحلات؛ وفي ذلك شحذٌ للأذهان نحو التأمل والتفكّر بل والتشجيع للسياحة في ملكوت الله، فيقول في أحد المواضع: "وصل أحمد إلى تشتوان لتستقبلهم في بداية الدخول زخات من المطر غسلت أدران التعب والإرهاق، وكانت الأشجار تلف المكان من كل صوب". ولم ينس الكاتب الصبغة القُطْريّة لبلده فالرواية ستهاجر إلى عدَّة بلدان ومعارض وكأنَّه تعمَّد أن تكون الشخصية من عُمان وهي لفتة جميلة لتسويق اسم الوطن في هذا العمل الجميل، فيقول مُجيبا أحد السائلين حين سأله عن اسمه: "أنا من الخليج العربي وتحديدا من سلطنة عمان" ومما يدعو للدهشة أن الكاتب وثَّق معلوماته من بعض الكتب المعروفة في الفكر العربي ومن باب الأمانة الفكرية دوَّن في آخر الرواية أسماء الكتب ومؤلفيها التي استفاد منها في روايته.

ختاما فإن "طيفٌ عابرٌ" عمل عماني أدبي تاريخي جميل يُضاف إلى إنجازات المكتبة العمانية الولاّدة بالأقلام المبدعة والرصينة، وما "خليل خميس" إلا واحد من هؤلاء الشباب المتميَّز والمكافح في سبيل تخليد بصمة القلم العماني في المحافل الدولية، وأدعو محبي الأدب والرحلات إلى اقتنائها بمعرض مسقط للكتاب لهذا العام.