جمال الكندي
قبل الإعلان عن مؤتمر وارسو جاءت جولة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، كمقدمة لحشد أكبر تجمع من الحلفاء للمشاركة في هذا المؤتمر، والسؤال هنا من هو المستهدف في هذا الإجتماع؟ وهل نجح الحاضرون في حشد التأييد الدولي ضد عدو قديم جديد في العقل السياسي الأمريكي؟
أمريكا تحاول إيجاد جبهة مواجهة جديدة أمام إخفاقاتها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، هذه الإخفاقات خلقتها الواقعية السياسية والميدانية المتغيرة باستمرار في جبهات السياسة والميدان مع المحور الأمريكي في المنطقة.
من هنا جاء اجتماع وارسو لتجديد الذاكرة السياسية، لموقع حلف كان في يوم من الأيام الجبهة العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة أمريكا مع حليفتها أوروبا الغربية، في ذلك الوقت بقيادة الأتحاد السوفيتي قبل انهياره، أمّا اليوم فلا وجود لوارسو القديمة، وهذا الاجتماع محاولة أمريكية لإبراز وارسو جديدة في وجه قوى إقليمية وعالمية أفشلت مشروع أمريكا في الشرق الأوسط.
هذا الاجتماع أظهر عمق الإخفاق الأمريكي في المنطقة، فمحاولة تغيير الحقائق السياسية والعسكرية فشل منذ مسرحية لقاءات أصدقاء سوريا التي تبنتها أمريكا، وكانت محاولة منها لتغيير الواقع السوري بالدعم السياسي والعسكري للجماعات المسلحة، وكانت تظن أن من خلالها ستملك زمام الجغرافية السورية، والنتيجة هي هذا الإخفاق الكبير الذي نراه اليوم بتقهقر القوى التي كانت تعتمد عليها أمريكا لتغيير الواقع الميداني السوري الذي أثر على التمثيل السياسي في اجتماعات "أصدقاء سوريا" بعد أن كان العدد يفوق المائة دولة تقلص إلى عشر دول أو يزيد بقليل، إلى أن أصبح هذا الملتقى من ذكريات الماضي الذي كان يأمل تحقيق نصر سياسي وعسكري في سوريا، ولكن معطيات الميدان أفشلت خطط السياسة.
اجتماع وارسو ليس ببعيد عن فكرة اجتماع "أصدقاء سوريا" ولكن الفرق هنا بأنّ المستهدف دولة محورية وفاعلة في المنطقة، تسببت في فشل المشروع الأمريكي بتعاونها مع حليفها الآخر الروسي.
إيران هي المستهدفة بالذات في هذا الاجتماع، وكان العنوان البارز لهذا المؤتمر يحمل اسمها، وكيفية محاصرتها سياسياً واقتصاديا وعسكرياً، ولكن بسبب وجود دول من ضمن المجتمعين تربطهم علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران تصنف من الدرجة الممتازة، وهم في نفس الوقت حلفاء أمريكا أو يقفون في منتصف الطريق بينها وبين الحلف الآخر تم تغيير العنوان من مواجهة سياسات إيران في المنطقة إلى عنوان فضفاض يحمل كل المعاني التي تريدها أمريكا من هذا الاجتماع، وهو مؤتمر وارسو للسلام والأمن في الشرق الأوسط.
الموقف الروسي والأوربي من هذا الاجتماع كان من أهم الأسباب التي جعلت مخرجاته حبرا على ورق، فقد ذكر مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن مؤتمر وارسو سيضر بأمن الشرق الأوسط وقال أيضاً: إنّ المحاولات لتشكيل تحالفات عسكرية سياسية معينة في المنطقة تعتبر غير بناءة وتعقد إقامة صرح شامل حقيقي للأمن. وفي الجانب الآخر قال حلفاء أمريكا الأوروبيين عن اجتماع وارسو على لسان المفوضة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: إنها لن تشارك في مؤتمر وارسو حول الشرق الأوسط، وصرح وزير الخارجية الألماني بأن ألمانيا لن تخرج من الاتفاق النووي مع إيران، أما الناطق باسم الرئيس البولندي كريستوف شرسكس فقال إن بلاده تستضيف المؤتمر بصفتها بلدا محايدة في قضايا الشرق الأوسط وأن بلاده لن تشارك في أي نزاع من النزاعات التي تشمل دولا في الشرق الأوسط، وأكد كذلك أن المؤتمر ليس موجهاً ضد أي شخص أو دولة.
مؤتمر وارسو حسب ما ترسم أمريكا له سيكتب له الفشل، بسبب تعقيدات المشهد السياسي في المنطقة، وتباين حلفاء أمريكا البارزين، تركيا وأوروبا ضد إيران وروسيا، وهذا ما تدركه أمريكا جيداً والتمثيل الباهت -إن صح التعبير- من قبل الأوروبيين لهذا المؤتمر يعكس فشل مشروع أمريكا في أضعاف سياسة إيران وروسيا في المنطقة.
لذلك ومن أجل بناء شرق أوسط كبير مسالم جاء هذا المؤتمر يحمل السلام للمنطقة، هذا السلام لا يكون إلا بضمان أمن إسرائيل، وأمنها لا يمر إلا عبر تغيير النظام الإيراني، والتغير يكون بثلاث طرق، داخلياً على نمط الربيع العربي وهذا اثبت فشله بسبب وعي الشارع الإيراني، أو بالتدخل العسكري أو حرب بالوكالة، وأمريكا تعرف بأنّ الخيارين الأخيرين وراءهما أثمان باهظة سوف تدفع إذا أقدم صقور البيت الأبيض على مثل هذا السيناريو.
أخيراً هذا المؤتمر لن يغير شيئا في الموازين السياسية والعسكرية للمنطقة، والسبب هو أن حلفاء أمريكا من الأوروبيين والأتراك يغردون خارج السرب الأمريكي الذي يريد تغيير النظام الإيراني أو تغيير سلوكه تجاه قضايا المنطقة، ولا ننسى أن إيران أصبحت عضوا فاعلا في إيجاد الحلول السياسية للمنطقة عبر منصة سوتشي مع الروس والأتراك، وهذا الأمر يرتضيه الأوروبيون والامريكان أنفسهم، لذلك هذا المؤتمر فشل، وفشله ظهر في بيانه الختامي الذي لم يشر إلى إيران باسمها، وكما قلنا فالسبب هو تباين المواقف ضد إيران من قبل المجتمعين، لذلك كان المؤتمر للعرض الإعلامي فقط.