سياسة منع الفكر ليست حلا

 

مسعود الحمداني

 

قبل أيام منعت إدارة مهرجان مسقط "المُفكّر" فراس السوّاح من إلقاء مُحاضرته المُعلن عنها مسبقاً بعنوان "في الحاجة إلى الدين"، بسبب آرائه "المتشددة" حول الحجاب، ووصفه الإسلام بالتَّخلف، كما تم منع حوراء موسى من مشاركتها في ندوة حول الفضاء الإلكتروني بسبب "بذاءتها" على السلطنة.

ولعل منْع المتهجّمين على السلطنة من دخول الأراضي العُمانية أمر لا خلاف فيه، غير أن منْع مفكرٍ من إعلان رأيه- رغم سلبيته- مسألة فيها نظر، فعُمان بلد التسامح الفكري والمذهبي والعقائدي، كما يصفها الكثيرون، ولا يمكن منْع الأفكار مهما كانت نوعيتها وإشكالاتها من التسلل إلى عقول الشباب خاصة في زمن الفضاءات المفتوحة، فالأفكار لا تقاوم بالمنع والغلق، ولا يُمكن مصادرتها بجرّة قلم، ولكنها تقاوم بالفكرة المضادة، ودحض الحجة بالحجة، فكل مسائل الدنيا الخلافية يمكن عزلها، وتفسيرها، واستبدالها، ولكن لا يُمكن أن نقفل الأبواب عن الفكر، ثم ندّعي أننا نحمي المجتمع من الأفكار المتطرفة، بل نحن بذلك ندعو الشباب المُراهقين للبحث عن وسائل بديلة للوصول إلى المعلومة، وهنا تقع الكارثة، ولعلنا فقدنا فرصة ذهبية لمحاورة ونقد أفكار فراس السوّاح، وتوضيح وجهة النظر التي نؤمن بها.. وللتوضيح أقول إنني لا أتفق مثل كثيرين مع هذه الأفكار المتشددة للسوّاح.

لقد ظهر في هذا الزمن المتوحش إلكترونيًا الكثير من الدعوات الإلحادية كنتيجة حتمية للإفراط في التزمت والتعصب والانغلاق، وانعدام الحوار بين الفكرة والفكرة، حيث لجأ الكثير من الشباب والفتيات إلى البحث عن مبتغاهم بعيدًا عن أعين الرقابة الاجتماعية والدينية والسياسية، فنشأت أفكار لم يكن لها أن تنشأ لو تمَّ فتح قنوات وجسور للحوار نتيجة التلاقح الفكري والأيدلوجي المتسارع، ولو تم محاصرة الأفكار المتزمتة وتفتيتها بالانفتاح عليها، وليس بإغلاق النوافذ والأبواب عنها، فالأجيال تتغيّر، وتغيّر جلودها وألوانها، وأشكالها، ومن الصعب جداً السيطرة عليها من خلال القمع والحجْر والرفض.

هناك الكثير من المُفكرين والكتّاب الذين يدعون إلى أفكار صادمة وغير مقبولة على الصعيد التقليدي المُحافظ، ولكنها تشكّل ساحة ثرية للحوار والسؤال، وتعيد تشكيل الكثير من المفاهيم المغلقة، أو تلك التي يُريد البعض توجيه المجتمعات العربية والإسلامية إليها من خلال تكفير أصحابها، وتهميشهم بدلاً من مجابهتهم فكريًا، ومواجهتهم حواريا، وهذا يعتبر تراجعا وانهزاماً أمام الفكرة المغايرة، والتي يعتبرها البعض "شاذة" غير أنها في الواقع ترتكز على أرضية واقعية، ولكنها مغيّبة عن العامة، وأعتقد أن لدينا الكثير من المفكرين والمثقفين الذين لا تنقصهم الحجة، ولا يفتقدون الدليل لدحض الأفكار "الهدّامة" التي تنكسر أمام واقعية الطرح، وعمق الرؤية.

إنّ معالجة القضايا والأفكار "المتطرفة" يكون بمواجهتها ومحاصرتها ونقدها، لا بالهروب من أمام "العدوّ"، فذلك معناه فرار من المعركة الفكرية التي لا تنتهي، والتي يخسر فيها دائماً الطرف الأقل سلاحاً وعدة، والأكثر خوفًا من مواجهة الآخر.