عبيدلي العبيدلي
كثيرة هي المُصطلحات العلمية والتجارية التي باتتْ تُطلق على خدمات أو منتجات ذات علاقة بشبكة الإنترنت، البعض منها مباشر مثل إنترنت الأشياء، والبعض الآخر غير مباشر مثل الحوسبة السحابية.
والمصطلح الأول منهما -وكما تشير العديد من المصادر- "برز حديثا"، و"يُقصد به الجيل الجديد من الإنترنت (الشبكة) الذي يتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها (عبر بروتوكول الإنترنت). وتشمل هذه الأجهزة الأدوات والمستشعرات والحساسات وأدوات الذكاء الاصطناعي المختلفة... وغيرها. ويتخطى هذا التعريف المفهوم التقليدي وهو تواصل الأشخاص مع الحواسيب والهواتف الذكية عبر شبكة عالمية واحدة ومن خلال بروتوكول الإنترنت التقليدي المعروف. وما يميز إنترنت الأشياء أنها تتيح للإنسان التحرر من المكان، أن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات دون الحاجة للتواجد في مكان محدّد للتعامل مع جهاز معين".
وكما هو معروف، فإنَّ الشخص الذي يقف وراء صياغة مصطلح "إنترنت الأشياء"، هو رجل الأعمال كيفين إشتون، الذي تمكن من ذلك في أواخر العام 1990، لكنه لم يتمكن من تقديمه على نحو ملموس، كما تقول الكاتبة مناهل ثابت إلا في العام 1999، "خلال عرض تقديمي قام به في شركة كان يعمل بها، ووصل حينها إلى تقنية بطاقة تحديد الهوية باستخدام الموجات الراديوية، أو (RFID)، والتي تستطيع بواسطتها معرفة مكان وإرسال إشارة من الجسم الحامل للبطاقة إلى أي حاسوب عن طريق إرسال إشارة خاصة".
وبخلاف ما يتصور البعض، فلم تعد "إنترنت الأشياء" مفهوما علميا غامضا محصورا داخل غرف مُوصَدة أبوابها في مراكز الأبحاث العلمية، بل بات قائمة طويلة من المنتجات والخدمات التي تستحوذ على سوق ضخمة، يتوقع لها النمو خلال الأعوام القادم بسرعة فائقة، فوفقا لما جاء في موقع "عالم التقنية (https://www.tech-wd.com/wd/2015/03/04/internet-of-things/ )"، سيكون حجم سوق (انترنت الأشياء)، " بحلول العام 2020، أكبر من سوق الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب والأجهزة اللوحية مجتمعين بمقدار الضعفين! حيث سيصل عدد أجهزة إنترنت الأشياء إلى 35 مليار جهاز متصل بالإنترنت. (كما) يتوقع أن تصل إيرادات سوق إنترنت الأشياء إلى أكثر من 600 مليار دولار في العام 2020. (ومع إطلالة) عصر البيانات الضخمة سيعيش مستويات جديدة حيث ستولد الأجهزة في عالم إنترنت الأشياء بحلول العام 2020 ما يزيد على 40 ألف إكسابايت من البيانات، ما حجم ضخامة هذا الرقم؟ 40 ألف إكسابايت = 40 تريليون جيجابايت، وهي المساحة التي تكفي لتسجيل كل الكلام الذي نطق به البشر صوتيًّا وبجودة عالية من عصر سيدنا آدم إلى يومنا هذا! (كما) تضاعف 10 مرات، خلال الـ5 سنوات الماضية، الأموال المستثمرة في الشركات الناشئة في مجال إنترنت الأشياء. (كما) سيستثمر قطاع الأعمال 250 مليار دولار في تقنيات إنترنت الأشياء خلال الخمس سنوات المقبلة، 90% منها سيذهب للاستثمار في الأنظمة والبرمجيات التي تشغل هذه الأجهزة".
من جانب آخر، وكما جاء في مجموعة من التقارير الصادرة عن شركة غارتنر ( Gartner, Inc، "سيكون هناك ما يقرب من 20.8 مليار جهاز على إنترنت الأشياء بحلول العام 2020". من جانبها، تشير تقديرات بحوث (ABI) إلى "أن أكثر من 30 مليار جهاز سوف تكون لاسلكية متصلة بإنترنت الأشياء بحلول العام 2020".
وعلى المستوى الخليجي، هناك أيضا ميل واضح لدخول عالم، أو بالأحرى سوق (إنترنت الأشياء)، هذا ما يفصح عنه عميد عمادة البحث العلمي في جامعة أم القرى وعضو جمعية معھد مھندسي الكهرباء والإلكترونيات في السعودية عبدالرحمن الأھدل بقوله، "ارتفاع نسبة استثمار السعودیین في مجال إنترنت الأشیاء مع بدء العمل في مشروع نیوم الذي أطلقه صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان ولي العھد، مشیراً إلى أن التوسع في تقنيات الإنترنت الحديثة قد یصل إلى 30 مليار جهاز بحلول العام 2020، وتصل القیمة السوقیة لإنترنت الأشیاء إلى 1.7 ترليون دولار بحلول العام نفسه". لكن اللافت في حديث الأهدل هو إشارته إلى "استحواذ النساء في العالم على نسبة كبیرة من مشروعات إنترنت الأشیاء وتطبيقاتها الصحية، ووصلت استثماراتهن إلى أكثر من تریلیون دولار".
ولتقريب الصورة من ذهن القارئ، لا بد من سرد بعض التطبيقات أو الخدمات التي تندرج تحت ما أصبح يطلق عليه (انترنت الأشياء). وسنبدأ ذلك بتلك الأقرب إلى الاستخدام اليومي. فهنالك، على سبيل المثال لا الحصر ما أصبح يُعرف باسم "الملابس الذكية"، التي بات بوسعها من خلال الاستعانة بتقنيات (إنترنت الأشياء) ليس التحكم في درجة حرارتها كي تكون ملائمة للطقس الذي يعيش من يرتديها في مناطقه، لكن ما هو أهم من ذلك بكثير هي قدرتها على جمع كمية ضخمة من البيانات "عن نشاطك الجسدي، وعاداتك، وتقدمها من خلال تطبيق على هاتفك الذكي؛ حيث سيساعدك ذلك على تحسين نشاطك اليومي".
لكن ما هو أبعد من ذلك هو تلك البرمجيات المستخدمة لبروتوكولات الإنترنت التي تأتي مرافقة، لما أصبح يعرف باسم "الأواني الذكية"، التي باتت تستطيع "جلب الوصفات وكذلك إبراز فوائد الأغذية التي تحتويها وتحليل جودة المواد التي تضعها عليها".
ما ينبغي التوقف عنده هنا، هو أنَّ هذه التحولات نحو المزيد من استخدام منتجات وخدمات تولدها تقنيات "إنترنت الأشياء"، أو تلك التي تصاحبها أو تنجم عن استخداماتها، لا بد أن تنعكس على سلوك، ومن ثمَّ طريقة معيشة من يستفيد منها؛ وبالتالي فمن المنطقي أيضا أن نشهد -ليس في القريب العاجل بطبيعة الحال- تحولات نوعية في العلاقات المجتمعية التي تسود في المجتمعات التي ستنتشر فيها صناعة وتطبيقات (إنترنت الأشياء). والرابح هنا سيكون ذلك المجتمع الذي هيَّأ سُكانه لها، واستثمر في تقنياتها بشكل منتج ومستهلك، وعلى نحو عميق، في آن، وليس مستهلكا سطحيا فقط.