مدرين المكتومية
تأسست الدول الحديثة على فكرة قيام حكومة تُعنى بإدارة مُختلف شؤون المُجتمع، يعاونها في ذلك المؤسسات التشريعية التي تسن القوانين التي تنظم حياة الأفراد والمؤسسات، وغيرها من جوانب الحياة.. لكن السؤال المطروح دائمًا في مختلف الدول، لاسيما الدول النامية، هو: هل تولي الحكومة كل الرعاية المطلوبة للمواطن؟ وما هي أدوار الحكومة التي يجب ألا تتخلى عنها؟!
ونحنُ في السلطنة أولت الحكومة منذ فجر النهضة المُباركة جل اهتمامها ورعايتها للمواطن، من خلال ما يتم تنفيذه من مشروعات في جميع المجالات والقطاعات، بما يضمن حصول المواطن على ما يحتاجه من خدمات، سواء في القطاع الصحي أو البلدي أو الاجتماعي أو الرياضي وغيرها من القطاعات. وخلال مسيرة النهضة المُباركة ترسخت العلاقة بين الحكومة والمواطن، وبات المواطن مدركا تمام الإدراك لدور الحكومة في التنمية.
ومع تطور مسيرة التنمية ودخول القطاع الخاص شريكا أساسيا وذا دور محوري في تنفيذ المشروعات، أخذت النظرة إلى الحكومات بشكل عام في أي دولة تتغير، وبات يُنظر إليها على أنها تعمل وفق أدوار محددة وليست كما كانت في السابق تقوم بجميع الأدوار، وأن على القطاع الخاص مسؤولية كبرى سأتحدث عنها في هذا المقال.
لكن ما يهمني الإشارة إليه هو أنَّ المواطن يجب أن يُدرك هذه الحقيقة، وأن الواقع تغير وتبدلت الأحوال عن ذي قبل، فالحكومة أدوارها الآن تتمثل في التخطيط ووضع السياسات والإشراف على التنفيذ، مع تنفيذ بعض المشروعات الكبرى بمُشاركة القطاع الخاص، دور الحكومة في الوقت الراهن بات يتمحور في قيادة عملية النمو الاقتصادي والنهضة المجتمعية فكريًا وثقافيًا وصحيًا وعلى جميع المستويات، وهو ما يتناسب مع متطلبات المرحلة التي نمر بها.
والمواطن في هذه المعادلة الجديدة في إدارة شؤون الدولة، شريك فاعل، وما أدل على ذلك من حرص الحكومة على إشراك المجتمع بمختلف فئاته في الإسهام بالرأي والأفكار في الرؤية المستقبلية "عمان 2040"، وهي الرؤية الطموحة التي تستهدف تحقيق عدد من الغايات والأولويات الوطنية خلال العقدين المُقبلين، ومن هنا يجب على المواطن أن يقوم بدوره كاملا، وأن يسعى لطرح الحلول والأفكار التي تدفع مسيرة التنمية لمزيد من التقدم والرخاء، ولا يجب أن يتحول دور المواطن إلى الشكوى المستمرة، رغم إيماني العميق بحق المواطن في الشكوى من أي مشكلة يتعرض لها، لكن بالتوازي أيضًا من واجبه أن يطرح الأفكار، وأن يراعي الظروف التي تمر بها البلد، فمثلا الأزمة الاقتصادية التي طرأت قبل 4 سنوات، دفعت الحكومة إلى التفكير مرارا في عدد من بنود الإنفاق في الميزانية العامة للدولة، وكان الحل الأمثل هو ترشيد النفقات، ومما يحسب للحكومة أن هذا الترشيد لم يمس الفئات المستحقة للرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وهم الفئات الأشد احتياجاً لدعم الحكومة، حتى مع رفع الدعم عن الوقود، طرحت الحكومة البرنامج الوطني لدعم الوقود، بما يُمكّن المواطن المستحق من شراء الوقود بتكلفة مناسبة تتلاءم مع ظروف دخله.
لكن في المُقابل، أقول بصراحة، إن هناك بعض الشكاوى المجتمعية يتعين على الجهات المعنية في الحكومة أن تنظر إليها وتسعى إلى حلها بأسرع وقت ممكن، منها ارتفاع الرسوم في بعض الخدمات، والتي لا يجني المواطن من ورائها أي ربح، فمثلا الرسوم المدفوعة في أنشطة تجارية، يمكن تفهم الزيادة فيها، لكن ما الداعي وراء رفع رسوم خدمة ما لا يجني المواطن من ورائها ربحًا؟! ربما أتفهمُ أيضاً أن هناك بعض الخدمات يحصل عليها المواطن بأقل من القيمة العادلة لها، لكن في الوقت نفسه على المؤسسات المعنية أن تعزز وعي المواطن بهذه النقطة، ولا تتركه فريسة لمن هبّ ودبّ على وسائل التواصل الاجتماعي يتحدثون عن ارتفاع أسعار الخدمات وكأنها نهاية العالم..
إنني كمواطنة عادية أؤمن بشدة بأنَّ هناك الكثير من الأدوار التي تقوم بها الحكومة يجب أن تستمر، لكن ما الذي يمكن القيام به في ظل التحديات الاقتصادية، الحل يكمن في تعزيز التكاملية والشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص. فمثلا قضية توظيف الباحثين عن عمل، لم تعد مطلقًا مسؤولية الحكومة في ظل الأعداد الكبيرة من الموظفين في القطاع الحكومي، وتشبع هذا القطاع بالموظفين، وأن هذا القطاع لم يعد قادرا على توفير الوظائف لاسيما في ظل التحول الإلكتروني، وإنما الحل لدى القطاع الخاص، الذي يتوجب عليه من الناحية الوطنية والمسؤولية أمام المجتمع، أن يوفر الوظائف للشباب، وعلى رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال أن يضخوا الاستثمارات في كل القطاعات، فبلدنا واعد يتميز بموقع إستراتيجي وتيسيرات في الاستثمار، رغم بعض التحديات أيضاً، لكن في المجمل الأوضاع مهيئة تمامًا لتنفيذ المشروعات، التي يمكن أن تستوعب أعدادا كبيرة من الشباب العماني، الراغب في العمل وبدء حياته العملية، بعد سنوات طويلة من الدراسة والاجتهاد.
ولذا فرسالتي هي في المقام الأول للقطاع الخاص الذي أناشده أن يشارك الحكومة في تنفيذ كل المشروعات والخطط التنموية، وأن يضخ رؤوس الأموال والاستثمارات في كل القطاعات، خاصة وأننا بتنا في مرحلة بالغة الأهمية تستلزم تعاون الجميع، الحكومة والقطاع الخاص، وبكل تأكيد المواطن، الذي هو هدف التنمية وغايتها، كما تعلمنا من حضرة صاحب الجلالة السلطان المُعظم- أبقاه الله-.