مستقبل العلاقات الأمريكية- الصينية على كف عفريت

عبيدلي العبيدلي

 

تجددت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي بدأت ملامحها الأولى حين اعتقلت السلطات الكندية المديرة المالية لشركة هواوي لتكنولوجيا الاتصالات منغ وانزو، "في كندا بناء على طلب من السلطات الأمريكية". وتصاعدت الأمور حتى بلغت أوجها "عندما  وجهت الولايات المتحدة الأمريكية، تهما جنائية ضد شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة هواوي، (واعتبرت تلك الخطوة إجراء آخر ملموس يصب في مجرى) تصعيد جديد لخلاف (واشنطن) مع الشركة الصينية".

وكان من الممكن أن تقف حدود تلك الحرب عند مواجهة بين شركة "هواوي" والقضاء الأمريكي الذي كشف، عبر وزارة العدل "عن قضيتين ضد شركة هواوي، تحمل عددًا كبيرًا من الادعاءات، حيث تتهم إحدى لوائح الاتهام شركة هواوي بمحاولة سرقة أسرار تجارية من شركة (تي. موبايل يو.إس)، عبر منح مكافآت واعدة للموظفين الذين جمعوا معلومات سرية عن المنافسين. وادعت لائحة اتهام ثانية، أنّ الشركة انتهكت العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، إضافة إلى اتهامات رسمية أخرى".

لكن الحرب تطورت في اتجاه تصعيد سياسي، تجاوز لائحة الاتهامات الأمريكية للشركة، عندما انبرت "الحكومة الصينية بغضب على الاتهامات الأمريكية، متهمة الولايات المتحدة باستخدام سلطة الدولة الخاصة بها لتشويه واستهداف الشركات الصينية، في محاولة لضرب عملياتها التجارية القانونية". وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية جينغ شوانغ، في بيان رسمي الولايات المتحدة قائلا "نحث بشدة (الولايات المتحدة)على وقف حملتها غير المعقولة على الشركات الصينية بما في ذلك شركة هواوي".

والحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة ضد الصين ليست وليدة الساعة، فقد بدأت حين أعلنت الصين، من خلال شركة هواوي" عن امتلاكها تقنية الجيل الخامس G5 من تقنية الاتصالات، وهي تقنية متطورة تضع بين يدي المستخدم "بلوغ سرعة واحد تيرابايت في الثانية.. الأمر الذي سيفتح آفاقا جديدة على مستوى الشبكة العنكبوتية".

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة لشركة هواوي، ففي العام الماضي "واستناداً إلى تقرير مبيعات الهواتف الذكية الصادر عن "مؤسسة البيانات الدولية" تبوأت هواوي المرتبة الثانية عالمياً من حيث حجم مبيعات الهواتف الذكية والأجهزة المحمولة، وهو ما ساهم في رسم ملامح جديدة لسباق المنافسة في سوق الهواتف الذكية على مستوى العالم".

وعلى مستوى الشرق الأوسط، وبحسب تقرير شركة دراسات السوق (جي إف كيه GFK )،  "احتلّت هواوي المرتبة الثانية من حيث مبيعات الهواتف الذكية) لشهر مايو 2018)، فقد بلغت حصة هواوي السوقية في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نسبة 21%، محققة بذلك نمواً بواقع 31.25% بالمقارنة مع الحصة السوقية للشركة خلال شهر ديسمبر 2017".

ووفقا لتوقعات السوق "تستعد شركة "هواوي" لإطلاق هاتف (بي 30 برو) هذا العام (2019)، وهو الهاتف ذو المواصفات (الثورية)، الذي سيحتوي على خمس كاميرات سيتفوق بها على (هواوي بي 20 برو) الذي حقق نجاحًا واسعا خلال العامين المنصرمين".

التوقعات، السياسية، وليس التقنية فحسب، تشير إلى احتمال خروج شركة (هواواي)، ومن ورائها الصبن ظافرة من هذه المعركة. فعلى المستوى الصيني، تسير بكين بخطى ثابتة على طريق التوسع الدولي على أكثر من محور. الأول منها داخلي، حيث تمتلك الصين سوقا محليا ضخمة بفضل عدد سكانها الذي بدأ يتاخم المليار ونصف نسمة، يترافق ذلك مع حنكة تخطيطية متميزة تزاوج بين إيجابيات السوق المركزية، دون الاصطدام بمتطلبات الاقتصاد الحر.

وبدأت الصين هذا النوع من المواءمة الاقتصادية منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، في ثورة سلمية وضعت التطور التقني، المرافق للتقدم الاقتصادي نصب عينيها.

أمّا على المستوى الخارجي، فقد نسجت الصين، مستفيدة من أخطاء الدول الغربية، وفي أحيان أخرى جرائمها، علاقات حميمة مع الأسواق الناشئة، بما فيها تلك التي لا تمتلك قدرة شرائية ضخمة مثل بعض الدول الإفريقية. مما وضع بين يديها مردودا اقتصاديا وسياسيا ضخما، يمكن أن تستفيد منه في أي حرب تجارية محتملة مع دول مثل الولايات المتحدة.

وفي خضم كل ذلك لم تنس الصين ترتيب بيتها من الداخل، حيث نجحت، دون الحاجة للدخول في التفاصيل، التي ربما تكشف عن إجراءات مخالفة لحقوق الإنسان، في تقليم أظافر أي شكل من أشكال المعارضة الداخلية، يمكن أن يعيقها عن وصول هدفها الرئيس الذي يجعل منها قوة اقتصادية عظمى، تستطيع أن تنافس دولا عملاقة من مستوى اليابان والولايات المتحدة، بل وحتى روسيا.

في المقابل نجد الإدارة الأمريكية الحالية، منهكة على المستوى الداخلي، بمعارك تبدأ بخلافاتها داخل الكونغرس التي قادت إلى تعطيل عمل الدولة لما يقارب من شهر، لم يستلم خلاله الموظفون رواتبهم. مرورا بالحروب السياسية الداخلية التي لم تتوقف بين الحزب الحاكم والحزب الديمقراطي، والتي تأخذ شكل تبادل اتهامات مستمرة بين الطرفين، تلقي بظلالها على أداء الاقتصاد الأمريكي، وتجعله ضعيفا في منافسته للاقتصاد الصيني، الذي بات مزودا بعناصر تفوق ملموسة تبيح له شن حرب هجومية على خصمه الأمريكي. ولعل في معارك بناء الجدار الحاجر بين الحدود المكسيكية والأمريكية الكثير من مكامن الضعف الذي تعاني منها الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تشل يدها، وتضعف قدراتها في الدخول في معارك تنافسية ناجحة مع الاقتصاد الصيني.

وعلى المستوى الخارجي، تجد واشنطن نفسها منهكة في معارك متواصلة، تبدأ من حربها التي تخوضها في الساحة الفنزويلية، وتعرج على تلك التي لا تتوقف في الشرق الأوسط، قبل أن تحط رحالها في أفغانستان. كل تلك الحروب تنهك قواها العسكرية، وتستنزف قدراتها الاقتصادية، وتضعفها أمام أية منافسة حقيقية مع دولة مثل الصين.

يضاعف من عوامل ضعف الجبهة الأمريكية، التمزق الذي يعاني منه حلفاؤها  الأوربيون من جانب، وبروز روسيا كقوة عظمى منافسة للنفوذ الأمريكي من جهة ثانية.

لا شك أنّ بوادر معارك تجارية قد بدأت تطفو على سطح العلاقات الصينية – الأمريكية، ليس في أفقها التحول إلى مواجهة عسكرية، لكن الأولى، وفي مراحل معينة، تتحول إلى أشد ضراوة من الثانية، وتكون أشد هولا، وانعكاساتها أكثر عمقا، وتزج في أتونها أطرافا لا تحتاجها الصدامات العسكرية.

كل ذلك يجعل من استقراء مسارات تلك الحروب التجارية أكثر تعقيدا، وهو ما يتطلب الانتظار قبل الوصول إلى أية استنتاجات، ربما لا تكون علمية، وغير دقيقة، وليست محتملة، الأمر الذي يجعل مستقبل العلاقات الأمريكية - الصينية على كف عفريت، وأبوابه مشرعة وقابلة لسيناريوهات قد تبدو متناقضة.