مدرين المكتومية
الحضارة العمانية ضاربة في عمق التَّاريخ، ولعل أبرز ما يُميزها أنَّها تأسست بالإصرار والعزيمة على النجاح، فلم تقف التحديات عائقًا أمام الأجداد العظام، بل طوعوها لخدمتهم وتحقيق النجاح.. ومنذ أن صدرت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- بوضع الرؤية المستقبلية "عمان 2040"، ومؤسسات الدولة تتكاتف وتجتهد من أجل صياغة وإعداد رؤية طموحة تُلبي طموحات الإنسان العماني في مُستقبل أكثر ازدهارًا ونماءً.
ولقد كان المؤتمر الوطني للرؤية المستقبلية "عمان 2040" الذي عُقد خلال اليومين الماضيين، منصة مجتمعية بارزة استطاعت أن تستقطب مختلف أطياف المجتمع وفئاته، فترجم المعنى الحقيقي للشراكة المجتمعية في صياغة الأهداف العامة للدولة، وخلال المؤتمر تم طرح "وثيقة الرؤية الأولية"، والتي أكد كبار المسؤولين في الرؤية على أنها "وثيقة ملك الجميع". وهنا يتعين علينا أن نُمعن النظر في آلية إدارة هذه الرؤية، والتي لأول مرة تُشرك المواطن في صناعة القرار مباشرة، ما يؤكد أننا أمام نقلة نوعية وتطور جوهري في عملية إعداد الخطط التنموية، وأن صياغتها لم تعد حكرًا على بعض المسؤولين، لكنها باتت رؤية يشارك في إعدادها الجميع. وكما جاء في الحديث الشريف "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" فكل فرد فينا راعٍ ومسؤول عن رعيته فيما يتعلق بعملية التطوير ووضع الخطط التنموية، والمسؤولون في الحكومة لهم أدوار منوط بهم القيام بها، وبالتالي الجميع يتشارك في القيام بهذه المسؤوليات التنموية.
ولذا نؤكد أنَّ الشراكة المجتمعية أحد الأعمدة الرئيسية لنجاح رؤية 2040، بحيث يعمل كل فرد منا بجانب الآخر وجميعهم على قلب رجل واحد، متحدين على تنفيذ رؤية طموحة لوطننا بإرادة صلبة وعزيمة لا تلين، ومعاً نستطيع أن نُحقق الإنجاز المأمول من هذه الرؤية. غير أنه يتعين عند تطبيق الرؤية اختيار ذوي الكفاءة والوطنية كي يقوموا بإدارة عملية التغيير على النحو الأمثل، وهنا نشيد بأدوار الجميع، لكن في الوقت نفسه نأمل أن تكون آلية تطبيق الرؤية قائمة على الشباب، خاصة وأنَّ الكثيرين تلقوا علومهم في أكبر الجامعات محليًا ودوليًا، وقد اكتسبوا من المهارات ما يُعينهم على إدارة المؤسسات بطريقة احترافية تضمن إحراز التميز.
إن الشباب عازمون على مواكبة متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، وقد أعدوا العدة لذلك، وما كانت المشاركة الواسعة في "منصة الشباب" المصاحبة لأعمال المؤتمر الوطني للرؤية المستقبلية، سوى ترجمة لهذه الروح الوثابة التي تطمح لبلوغ أعلى المراتب. وهناك العديد من الأسباب التي تشجع المسؤولين في الدولة على إتاحة المجال أمام الشباب كي يتولوا زمام المبادرة، فالشباب بات فاعلا بفضل وسائل التواصل الحديثة مع العديد من المتغيرات حول العالم، ولو أننا اشتركنا جميعًا في قيادة هذا التغيير وتلك الخطط الطموحة برؤية موحدة يتم الاتفاق عليها- كما حدث في الإعداد لرؤية 2040 وعلى مدى سنتين من اللقاءات والنقاشات- لاستطعنا الذهاب بالتنمية إلى أبعد مدى، بل وربما نتجاوز الأهداف الموضوعة.
وما يُثلج الصدر في هذا السياق، أن 22 ألف مواطن شاركوا في رسم الملامح الأولية لرؤية عمان 2040 لشعورهم بأنهم جزء لا يتجزأ منها، وهذا العدد الكبير من فئات المجتمع يترجم حقيقة الشراكة التي ستدعم آلية تنفيذ الخطط وبلوغ الأهداف. وإلحاقاً بهذا الرقم المبشر، فمن الجميل أن نعلم أن هناك 5000 شخص شاركوا مباشرة في إعداد الرؤية، و3400 مواطن شاركوا في استطلاعات الرأي، إلى جانب 850 مشاركا في الملتقيات والورش المتعددة، و250 مشاركاً في أعمال لجان الرؤية، و900 شخص شاركوا في المبادرات الاتصالية و3000 آخرين في الجولات، إضافة إلى آلاف التفاعلات عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يدفعنا إلى إدراك مدى وعي المجتمع والمشاركين بأنهم جزء لا يتجزأ من صناعة هذه الرؤية.
إن الحقيقة التي يجب الإشادة بها أن الحكومة أبدت ترحيباً كبيراً بتبني أفكار الشباب وتحقيق الشراكة الحقيقية عبر الاستماع لكل مرئياتهم، سواء الشباب على مقاعد الدراسة أو الأكبر سنًا وحتى المبتعثين في الخارج، كلهم كانت لهم الفرصة لعرض آرائهم وأفكارهم، وذلك سيخدم بلا شك مسيرة التطوير والتنمية في مختلف القطاعات.