مدرين المكتومية
لم يعد خافيًا على أي منِّا سلبيات وإيجابيات وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا على اختلاف جمهورها ومنصاتها، وبعيدا عن التوظيف السياسي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي لهذه الوسائل، إلا أن الواقع يؤكد أن الاهتمام الغالب أصبح ينصب على الموضة والأزياء وآخر صيحات المكياج وغيرها من الاهتمامات الأخرى التي تشغل بال النساء في جميع مراحل أعمارهن، لكن الغريب أن الرجال بدأوا يزاحمون النساء في نفس اهتمامات المرأة، ويا للعجب!!
أتحدث هنا عن فئة معينة ظهرت في الآونة الأخيرة وباتت تتمتع بتأثير كبير ربما يفوق تأثير وسائل الإعلام الرسمية على المجتمع، أتحدث عن "الفاشينيست"، وهو مصطلح حديث نسبياً يشير إلى نوع من الأشخاص (سواء كان امرأة أم رجلا) لا يساير الموضة، بل يعمد إلى تصميم أزيائه حسب اختياراته الشخصية، وبحسب ويكيبيديا فإنَّ الفاشينيست "لا يقلد الناس أبداً، بل يختار ملابسه حسب صيحات الموضة وينسقها مع بعضها البعض، ليكون مميزاً بمظهره دوماً"، وهؤلاء استطاعوا بفضل ذلك أن يكونوا نجومًا لامعة في سماء التسويق على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن علينا أن ندرك الخلط بين مفهوم الكلمة وبين ما يقوم به الكثير من رواد التواصل الاجتماعي؛ حيث إنَّ أكثر هؤلاء وعلى الرغم من تأثيرهم، تناسوا أسباب شهرتهم ومن أين حصلوا عليها وبكل بساطة يطلقون على أنفسهم مصطلح "فشينيستا" أو "بلوجر" (وتعني المُدوِّن) وغيرها من المصطلحات الأخرى، التي أكاد أجزم أن أكثرهم لا يدركون معناها الحقيقي ومن أين اشتُقت أو حتى أصلها اللغوي! فالبعض منهم ذاعت شهرته بسبب فيديو غير لائق أو تصريحات سيئة، وربما تهجم على ثوابت عقائدية أو تاريخية.
لذلك عندما تكون أحد رواد التواصل الاجتماعي، وتُريد أن تستفيد من شهرتك في تحقيق عائد مالي، عن طريق التسويق، عليك أن تتخصص في مجال واحد وأن تكون صاحب مبدأ، وألا تسمح لنفسك أن تكون "أوردر" أمام أي مُسوّق، عليك أن تدرك ما الذي تريد تقديمه وما هي الأهداف التي تطمح لإيصالها، خاصة وأن الكثير منهم لا يعملون إلا لصالح الشركات، ونادرا ما تجد أحدهم يرفض إعلاناً لأنه يُضلل المستهلك. لقد تحول الأمر برمته إلى عملية ترويجية بحتة لا تراعي الحقوق، وتعمد إلى إرضاء المُعلن بأيّ ثمن، دون أن يكون هناك أدنى شعور بالمسؤولية تجاه المستهلك الذي يبحث عن الجودة، وهنا تكمن ضرورة التخصصية والحياد والمهنية التي تحتم على المتخصص ألا يروج لمنتجات لا يعرف عن حقيقة صنعها شيئًا، وربما تؤدي إلى الإضرار بمستخدميها.
بات الأمر وكأنه يترجم الاحتياج لأشخاص يجتهدون من أجل الحصول على المال فقط وإن تسبب ذلك في إلحاق الأذى بالآخرين.
آن الأوان لأن يطرح المخلصون من رواد التواصل الاجتماعي ما يمكن أن أسميه "مدونة سلوك" أو "ميثاق شرف إعلاني"، يلتزم به المشاهير على وسائل التواصل بأن يمارسوا عملهم ذلك وفق قواعد أخلاقية ومهنية، كما هو الحال مع مختلف المهن، ومع طبيعة الإعلانات في وسائل الإعلام بمختلف صورها، خاصة وأنَّ السوشال ميديا باتت الطريق الأسهل لكسب المال والشهرة.
أدعو رواد وسائل التواصل الاجتماعي إلى التخصص وتقديم ما يحتاجه المستهلك من منتجات حقيقية، وأن "يتركوا الخبز لخبازه"، فمثلا من المدهش أن تجد أحدهم يُمارس العمل الإعلامي، أو يسدي نصائح نفسية واجتماعية، دون وعي أو دراسة. مثل هذا الخلط جعل الوضع يتفاقم ويسفر عن نتائج سلبية، والكل يذهب نحو هذا المجال حتى وإن كانوا لا يملكون أية مهارات أو خبرات، ولعل أكثر ما يثير حفيظة الكثيرين أن الكثير من رواد التواصل الاجتماعي يمارسون التقليد الأعمى، فباتوا ينظرون إلى الحياة من الناحية المادية وحسب.
أذكر أن إحدى الفاشينستات التي تطلق على نفسها ذلك، كانت تروج لأحد كريمات البشرة، دون أن توضح التبعات الطبية لأصحاب البشرة الحساسة أو الدهنية، فما كان من الشابات اللائي يردن أن يتمتعن بنفس مظهر الفاشينيست إلا أن يقلدنها، وكانت النتائج كارثية، حيث ظهرت مشكلات جلدية للكثير منهن.
لذلك على من يُريد أن يكون/ تكون "فاشينيست" الالتزام بالقيم المجتمعية وتجنب أساليب الغش التجاري، علاوة على التوقف عن التقليد الأعمى لكل ما يأتينا من الخارج، فالتحلي بالمبادئ والالتزام بها أمر محمود، في حين أنَّ اللغة الببغائية لا تقدم ولا تؤخر، بل تفضح صاحبها.