منتخب الجماهير

 

الرؤية ـ المعتصم البوسعيدي

جاءت مشاركة منتخبنا الوطني لكرة القدم في بطولة أمم آسيا 2019 المستمرة حتى كتابة هذه السطور في ظل تعطش كبير من الوسط الرياضي بتقديم بطل كأس الخليج "وبرازيله" ــ إن صح التعبير ــ بأفضل حلة فنية وبالتالي كان الشعور مليء بالتفاؤل نحو تحقيق نتائج إيجابية تتخطى انكسارات مشاركاتنا السابقة، ومع هذا الزخم وتدفق الأمل ظهرت التحديات التي عملت على تبخر الأمل شيئاً فشيئا.

الحكاية تبدأ مع خروج علي الحبسي من قائمة المنتخب بسبب الإصابة وما صاحب ذلك من حديث لم ينقطع؛ فقيمة علي تحتم على أي جهاز فني وإداري القتال على تواجده ولو بيد واحدة ــ على سبيل المبالغة ــ لكن الأمر يبدو مختلفاً عند أهل الحل والعقد في إدارة المنتخب الفنية والإدارية على حد سواء، ثم جاءت ودية استراليا بخماسية نظيفة مزقت صفحة بيضاء خالية من الهزائم طوال سنة تقريباً، ومضى الأمر ومنسوب الأمل باقٍ في نظام البطولة الجديد ومجموعة يمكن المرور منها بالرغم من تواجد اليابان والأوزبك الذين تقهقرت قواهم عن فترة كانوا أشد بأساً وأجلد صبرا، غير إننا تذوقنا علقم الخسارة دون شفاعة المستوى، حتى بات الأمل معلقٌ في جلباب تركمانستان مع حذر أن نقع من حيث لا نحتسب.

في ظل هذه الأجواء وقبل ذلك كانت ثمة محطة يجب أن يُعاد الوقوف معها قبل كل بطولة وأثناء سيرها، تلك هي المحطة التي يود البعض أن يقود فيها الإعلام إلى رؤية الأشياء بعين واحدة؛ فالنقد يؤثر على المعنويات، ويخلخل البناء، ويقهقر الطموحات، ويجب تأجيل كل شيء حتى النهاية، وهذه ــ في اعتقادي ــ أسطوانة "مشروخة" وحديث لا يليق بمنتخب مُقبل على بطولة قارية ستفرض علينا ظروفاً صعبة يجب التعامل معها، ولا يليق بلاعبين يمتلكون معدلات عالية من الخبرة، ولا يليق بنا ألا نسمع الصوت الآخر الذي يقوم اعوجاجنا ــ إن حدث ــ وحيث صوت الجماهير العُمانية كان أعلى من أي صوت، فقد كانت نظرتهم أقرب للحقيقة من أي تفسير آخر، وربما لو استمعنا للقليل منها لكنا نتحدث بلغة أخرى اليوم.

لقد أثبت الجماهير العُمانية بأنّها هي المنتخب القوي، ففي الخيبات لم تنكسر، وفي نظرتها للأشياء حتى الفنية كان صوابها يعالج كبد الحقيقة. فماذا صنع المنتخب الكروي في البطولة حتى الآن؟ لم يصنع الجديد رغم قبولنا بالمستوى بشكل نسبي، وأظن إننا وقعنا في الفخ الذي لم نتبه له؛ حيث "ثمالة" كأس الخليج وإبعاد تطوير منتخبنا وفق تطوير بيئتنا الرياضية والكروية بشكل خاص، وعدم التعامل الجيد من القيم الوطنية بالطريقة التي تنصف الجميع، ويبدو أنّ الفوز بكأس الخليج وضع قناعة التطوير والعلاج الموضعي من وإلى المنتخب فقط كحل سحري ومثالي، مع أخطاء المدرب الهولندي على مستوى الاختيارات وقراءة المباراة التي ظهرت ــ جلياً ــ في أهم مباراة بالنسبة لنا بالبطولة، فكان أن استغل المنتخب الأوزبكي أخطاءنا المتكررة من سنواتٍ طِوال!!

يبدو أنّ العثرات لا تأتي فرادى في بطولة أمم آسيا، فالاتحاد الآسيوي يجب أن يعيد قراءة البطولة ومؤشرات نظام بطولاته على مستوى الأندية والمنتخبات، وهذا حديث آخر يطول الكلام فيه، على أنه ليس بمعزل عن تطوير كرتنا المحلية التي تكابد الشقاء، ومع هذا فالجماهير العُمانية ازداد منسوب وعيها، وشغفها الكروي وليس ــ فقط ــ سبب الحضور يتعلق بقرب الجوار الإماراتي الشقيق، بل إنّ الجماهير باتت تحب رؤية الأحمر مع كل إطلالة على أمل الفرح والسعادة، ولعلَّ ذلك يعود لعمل جيد ــ والحق يقال ــ من الاتحاد والنجاح بحصد كأس الخليج بالكويت واستثمار ذلك حتى الآن، والحذر بات مطلوباً من سقوط "ورقة التوت الأخيرة" فالفوز إن كان ساعد على صنع منتخب جماهيري متفوق، فالخسارة ستعمل على عكس ذلك وبطريقة أسرع، والهدم ــ كما هو معلوم ــ أسرع من البناء!.