في الحياة متسع للحياة


مروان المخلافي | اليمن

لهذه الحياة كثير من اللحظات الصعبة لعل أشدها وقعاً على الإنسان تلك التي يحاول أن يسترق من بين براثنها لحظة تمكنه من البقاء واقفاً بقلبه وروحه ووجدانه وتفكيره على ضراوة واقع يحاول أن يطاوله بهمه قد يفقد فيه عزيزاً، وقد يبتلى بمحنة من الحياة في نفسه أو ولده أو ماله لربما جعلته محشوراً في زاويه قد لا تتسع لقلبه وروحه، وربما وجد نفسه متقلبا بين الهموم كقدر من الحياة أذن الله به وجب التسليم به .
وهموم الحياة واقع ما منا من أحد إلا وسيغشاه شيء منه وسيصلى من حربه الضروس بما يود لو يجعله أسيراً لوجع هناك حيث انفطار القلوب في الدنيا بفعل غوائل الدهر وعاديات الأيام ورياحها الهوجاء  ذات الوجع الممض الذي لا مجال فيه من التسليم لقضاء الله والخضوع لمقدوره، هكذا كانت أم موسى التي فجعت بولدها لولا رباط ضرب على قلبها ولبها بعدما كادت أن تبدي به وهي تشاهد شفرات السكاكين والموت الزؤام تمر أمام ناظريها على رقاب الطيور وفراخها لا تستثني أحداً من الأطفال ذبحاً وقتلا ودموع الدنيا قد اغرورقت في كل مجال من عيونها يدفقها شعور أم ماعادت تدرك شيئاً بعطافتها سوى أن لها ولداً تتمنى لو أنها تفديه بكل أنفاسها فضلاً عن روحها، وفرج الله عنها وقد كانت القلوب قد بلغت الحناجر ، طيب خاطرها وأفاء عليها من رحمته وحنانه ما أعادت لها روحاً على روحها وقلباً على قلبها رأت به نور الحياه متجلياً كما لم تره من قبل.
غصة في القلب ، ودموع على حنايا الروح ، وحزن يتفلت كما المطر في محيا الوجدان ، وألم موجوع يبسط وجع الزمان على راحة الإنسان ومستراحات النفوس ومكامنها ،كلها معان تثيرها وتفجرها تلك المشاهد التي يباع فيها الموت بالمجان لأطفال سوريا الذين جمدهم الموت في عروقهم وحوصلهم فيه من شدة البرد، ولأواء واقعهم وهم قابعون في خيام مستويات مياه الثلوج الذائبة تغطيها حتى حلقوم النفوس، أنى لهؤلاء العيش وكل محن الحياة فوق رؤوسهم تستحيل حياتهم بما لا طائل من مواجهته حيث إسلام الروح لخالقها أعز ملاذ لهم بين أكوام الثلوج التي تظللهم بتحنانها عليهم قبل أن تذوب موتاً على خيامهم .
 أمام هذا الواقع الذي قد يتبادر إلى ذهنك بواقعه الدرامي الذي يصعب  تخيله،  ستعيد نظرك مرتين لتأمل هذا الواقع حيث هذه المرة فقط تصدق الدراما ليس لانطلاقها من واقع معاش، بل لأنها ذاته الواقع المعاش أطفاله ماعاشوا أدواره ليعودوا إلى بيوتهم ، بل كانوا هم الأدوار أنفسها التي تجسدت بواقع مآسوي ذهب بهم لديار الآخرة التي سيجتمعون فيها عند مليك سيفيضون بين يديه بشوكاهم  
عزاءهم في الدنيا خيط دقيق وشفاف يمرره خالق القلوب لأن يستوعبوا واقع الحال المضني.
ولمن فقد البوصلة وما زال يحاول الصمود، واستفحل فيه واقع همه متوثباً لما يزل يقارع صعب المراس من الحياة، وصبغ وجدانه بحال محزون  قبل أن يتمكن منه بكل أجزاء كيانه نقول له عد لأن في الحياة ما يستحق العيش على واقعها الأليم في كثير من الأحيان .
لكل محزون، وكل موجوع وكل مقطوع رجاؤه من حاله، ولمن أصيب قلبه وكبده بمرض ولده حين أصبح طريح الفراش، نقول لهم ولي أولاً لحاجتي ونفسي أن في الحياة متسع للحياة ولذلك سميت بذلك، فقط لنجمل فيها من مطالبنا، على أن يكون يقيننا بأن القادم أجمل، وانصلاح الحال رجاء نافذ وناجز لأننا بين يدي خالق عظيم ستكلأنا رعايته لأننا خلق من خلقه.
..........................
*إلى عزيز موجوع يحاول التشبث بالحياة، والهمُّ يطاوله .

 

تعليق عبر الفيس بوك