علي بن سالم كفيتان بيت سعيد
أفاق المهاجرون على دفء شمس دبي وبرودة رمالها الناعمة، أكلوا بعض حبات التمر من زادهم القليل وتسللوا إلى السوق كما قال لهم الرجل الذي هرّبهم من مسقط، وبسرعة تعرّف عليهم المارة فصاروا ينادونهم بالمهرة، فكل قادم من الجنوب في الغالب يطلق عليه مهري، وكان سوق دبي أكثر تنظيماً من سوق الظلام، وبه الكثير من البضائع ويرتاده خلق من الناس فيهم العربي والعجمي وحتى الغربيون.
فتوجهوا إلى ناصية بها رجل يبيع شاي بالحليب في إبريق وأخذ كل واحد منهم كوبا ثم سألوه عن تواجد الظفاريين، فأخبرهم بأنّ معظمهم يعمل في جيش الشارقة وهي ليست بعيدة فاستأجروا سيارة أقلتهم إلى معسكر الشارقة وهناك لم يدخلهم الحرس وظلوا بالباب حتى جاء رجل عرفهم من هيئاتهم فأخذهم معه إلى الخارج وسألهم عن وجهتهم فنصحهم بالتوجه إلى قطر لأنّ بها الكثير من أهل ظفار وفيها فرص عمل أفضل وأعطاهم مبلغا من المال فعادو أدراجهم إلى دبي.
هنا تخلص الريفيون من ملابسهم التقليدية (الإزار والرداء) ولبسوا الدشداشة الخليجية والمصر وبعضهم اشترى العقال فبدت أشكالهم مختلفة، وصاروا يضحكون من بعضهم بعضا ومن مشيتهم التي بدت غير متناسقة مع اللبس الجديد. وفي الطريق نزلوا بأحد المطاعم وأكلوا ما لذّ وطاب واستأجروا غرفة نظيفة لمدة يومين؛ فالظاهر أنّ المبلغ الذي أعطاهم إيّاه بن محاد صيراد كان كافياً لكلِّ هذه الرفاهية. وفي المساء تجوّلوا مرة أخرى في سوق دبي وهناك التقوا بعدد من أهل ظفار الذين عزموهم على مشاهدة فيلم سينمائي؛ فكانت هذه هي المرة الأولى التي يرون فيها ذلك المشهد وبدوا مستنكرين للجداد الذي تدور عليه كل تلك الأحداث. كان الفيلم المعروض يحكي قصة بطولة وشهامة وكرم أبو زيد الهلالي.
خرجوا في وقت متأخر من الليل وتفارقوا عن أصحابهم فتوجهوا إلى غرفتهم التي استأجروها بينما كان يلومهم أحد رفاقهم بأنّهم أضاعوا الوقت فكان عليهم بدل هذا الأمر أن يكونوا قد أمنوا سفرهم إلى قطر. وفي تلك الليلة الشتوية الباردة نام الجميع بينما ظلّ هو ساهراً طوال الليل فقد شرد بفكره إلى الكهف والعقبة وعين الماء شوقاً إلى ابنيه اليتيمين وأمّه المكافحة في ذلك المكان القصي، وفي تلك الظروف القاهرة. وعند حلول الفجر أفاق المهاجرون فوجدوا صاحبهم قد جهز الشاي والفطور.
عن اعتدال الشمس انجر الرجال إلى السوق وسألوا عن موقع حجز السفن المتجهة إلى قطر فأرشدهم الناس إلى بندر دبي الذي كان مكتظا بالسفن والحركة التجارية ومن مكان إلى آخر حتى وصلوا لمكتب النوخذة بن مهران فحجز لهم السفر على سفينة متجهة صباح الغد إلى الدوحة وذكرهم بأنّها تأخذ نهارا كاملا وتصل قبل المغرب، فرجعوا فرحين بتأمين السفر لمحطة أخرى متأملين أن تكون مصدر رزق وفير لهم ولمن ينتظرهم في أرياف ظفار التي تضربها الحرب والمجاعة معاً.
في صبيحة يومهم التالي وعقب صلاة الفجر بكّروا إلى البندر لكيلا تفوتهم الرحلة وبالفعل وصلوا في الوقت المناسب فانتظروا قرابة الساعة ومن ثم مخرت خشبة بن مهران عباب الخليج العربي متجهة إلى دار بن ثاني قطر، وفيها خلق كثير من المسافرين والبضائع وكانت تعتمد على الشراع وعلى المحرك في حال توقف الهواء، وبذلك أصبحت هي السفينة البخارية الأولى التي يركبها هؤلاء المهاجرون الريفيون.
وقبل أن تدخل الشمس إلى المغيب وصلوا إلى بندر الدوحة فكان عليهم الرسو بعيدا لكثرة السفن فنزل الركاب من ظهر سفينة إلى أخرى حتى وصلوا لمكتب مأمور الجوازات الذي تفحص أوراقهم وجوازاتهم وسمح لهم بدخول قطر، وعند خروجهم من مكتب الجمرك نظروا إلى بعضهم البعض وتساءلوا إلى أين المسير؟ فاتفقوا على زيارة مقر شرطة المطافئ أو كما يسمونها (الحريجة) فقد وصلهم خبر أنّ عددا من أبناء ظفار يعملون هناك، فوصلوا للمعسكر ولكنّهم تفاجأوا بالإجراءات الأمنية الصارمة على أصحابهم العاملين هناك فكانوا يدخلونهم خفية، ويخفونهم تحت الأسرة ومن ثمّ يتسلل الواحد تلو الآخر للسؤال عن أهله وذويه في ظفار من القادمين الجدد الذين تمّ دسهم تحت الأسرّة، فشكل ذلك خيبة أمل أخرى للمهاجرين الجدد بعد محطتي مسقط ودبي...
وللحديث بقيّة بإذن الله تعالى،،،