حلول لقضية الباحثين عن عمل

 

سيف بن سالم المعمري

قضية الباحثين عن عمل ليست بالجديدة في واقعنا المحلي، فقد اتخذت الحكومة عدة إجراءات لاستيعاب الآلاف من الباحثين عن عمل في عام 2011م، ثمّ عملت على صياغة خطط وتشريعات جديدة؛ لتفادي زيادة الأعداد، وقد وصل عددهم بنهاية عام 2018م إلى 45711 باحثا عن عمل من مختلف المؤهلات والتخصصات العلمية.

والتفاعل الحاصل مع القضية عبر شبكات التواصل الاجتماعي من قبل الباحثين عن عمل يؤكد مدى حرص هؤلاء الشباب على خدمة الوطن، لكن في المقابل لا تزال الجهود المبذولة ينقصها تعزيز التعاون بين وزارة القوى العاملة والهيئة العامة لسجل القوى العاملة من جهة ومؤسسات القطاع الخاص من جهة أخرى، علاوة على أهمية تنفيذ توصيات مجلس الشورى ولجانه المختصة لوضع حلول جذرية لاستيعاب الشباب في سوق العمل.

ولعل أحد أبرز عوامل تأخر وضع حلول جذرية لهذه القضية، عدم تطبيق حزمة من الخطط والسياسات، لاسيما فيما يتعلق باستثمار الميزة النسبية للمحافظات. فمثلا خلال متابعتي لحلقة "رؤية اقتصادية" مساء الثلاثاء 25 ديسمبر الماضي، سلطت الحلقة الضوء على المنظور الاستراتيجي للتطوير الاقتصادي في محافظة البريمي، واستوقفني حديث الرئيس التنفيذي للمؤسسات العامة للمناطق الصناعية المهندس هلال الحسني، ومدير عام منطقة البريمي الصناعية المهندس عبدالله المياسي، حيث تلخصت إجابة الحسني على سؤال المذيع عن النمو في المنطقة قائلا: "إن معدلات النمو في المنطقة لا بأس بها، وهي متاخمة لدولة الإمارات، والمنطقة ذات جذب استثماري جيد" ثم أعقبه بالقول: "إنّ نسبة النمو متفاوتة ولا ننسى العوامل الاقتصادية المؤثرة الأخيرة التي لعبت دورا كبيرا جدا في انخفاض هذه النسبة- التي قدرها بأنّها لا بأس فيها". ثم يستطرد الحسني بالقول: "إن الاستثمارات في منطقة البريمي صغيرة جدا!!، وإن المرافق الحكومية الحيوية والأساسية في تنمية الاقتصاد العماني هي من أفضل المرافق قياسا بالدول الأخرى، وميناء صحار العمود الأساسي في التصدير والاستيراد في السلطنة".

وعند سؤال المذيع عن تطوير المنطقة بالخمسة ملايين ريال التي أعلن عنها الحسني في مارس عام 2018م، أجاب بأن ذلك سيتم في الربع الثاني من عام 2019.

بينما ذهب تأكيد المياسي على بداية التنفيذ في بداية 2019، وحول عدم قيام المشاريع العملاقة في  منطقة البريمي الصناعية، أكّد المياسي قائلا: "معظم المستثمرين يُحبذون إنشاء المشاريع العملاقة بالقرب من الموانئ". لكن الواقع يظهر أن مدينة العين بدولة الإمارات تضم مشاريع عملاقة في قطاعات مختلفة، رغم أنّ مدينة العين تبعد بمسافة أكبر نسبيا من موانئ دبي وأبوظبي.

الحقيقة الفعلية أنه لا توجد لدينا أزمة موارد، بل أزمة في بعض جوانب الإدارة لما تزخر به بلادنا من مقومات مادية وكفاءات بشرية. وذلك يعكس تراجع الاهتمام بتنفيذ الخطط والسياسات الداعمة للنمو في المحافظات خلال السنوات الأخيرة، فلماذا لا يتم استثمار الميزة النسبية لمحافظة البريمي على سبيل المثال، فهي من أفضل المحافظات تمركزا بين أسواق إقليمية نشطة، ومنافذ قريبة ومفتوحة على دول العالم، وعمر منطقتها الصناعية أكثر من 20 سنة، ورغم ذلك لا تستوعب جميع الباحثين عن عمل من أبنائها الذين لا يزيد عددهم عن 3 آلاف باحث عن عمل أو أقل من ذلك، إذا ما علمنا أنّ سكان المحافظة بنهاية عام 2018 بلغ 114411 نسمة يشكل الوافدون منهم 50%، وعدد الشركات في المحافظة يتجاوز 500 شركة، معظمها شركات صغيرة تتمحور أنشطاتها في مصانع المنتجات الإسمنتية، ويتم إنتاج معظمها بطرق تقليدية وبجودة منخفضة جدا، ولو أقيم مصنع واحد لمنتج آخر بمستوى عال لاستوعب أكثر من ربع الباحثين عن عمل في المحافظة.

إن بإمكاننا أن نجعل من مناطقنا الصناعية حاضنات لصناعات نوعية نستوعب فيها شبابنا، ونطل بها على أسواق العالم، ونحقق النمو الاقتصادي المنشود في المحافظات.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت..