ما أضيق "العــــــــــــــــــــــــــالم" لولا فُسحة الأمل

في وداع "عام المصائر المُعلقة"

...
...
...
...
...

 

الرؤية – هيثم الغيتاوي

في عالم مجنون؛ يرتكب من الحماقات يوميا أكثر من أن ترصده الصحف ونشرات الأخبار؛ تبقى العادة السنوية للصحف برصد أبرز ما شهده العام الماضي من أحداث أثقل مهمة على نفس أي محرر صحفي؛ ولعل أبلغ ما يُعبر عن ذلك قول الروائي المصري عزت القمحاوي: "كل صباح جميل؛ حتى نقرأ الأخبار"!

ورغم ذلك؛ نحاول في كل مرة أن نتغافل عن مرارة الأمر الواقع؛ وننظر للأمام ونردد: "ما أضيق العالم لولا فُسحة الأمل"؛ مع اعتذار للتغيير في قصيدة الطغرائي الذي قال في "لامية العجم" قبل نحو ألف عام: (أعللُ النفــس بالآمال أرقبها/ ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل)؛ لعلنا نكتب في العام الجديد أخبارا عن عالم أقل جنونا؛ وأكثر أمانا.. عالم بلا "مصائر مُعلقة"؛ تشعر فيه الشعوب بأن غدها "ربما يكون" أجمل من أمسها؛ وما أثمنها من "ربما"!

 

 

 

اليمن يأمُل

 

شاءت الأقدار أن ينتهي عُمر الطفل عبدالله حسن بانتهاء العام 2018؛ ؛ ليموت في سن عامين فقط محروما من رؤية والدته اليمنية شيماء صويلح التي ناضلت كثيرا لرؤيته في المستشفى المحتجز بها في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بعد أن انفصل عنها في 2018 بسبب حظر على السفر فرضه دونالد ترامب على مواطني عدد من الدول المسلمة، من بينها اليمن الغارق في مأساته الإنسانية.

لم تكن حالة عبدالله ووالدته اليمنية الأكثر مأساوية بين من كتبت عليهم الأقدار دفع ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؛ فإن كانت الخارجية الأمريكية قد أصدرت إعفاء بعد نشر قصة الأسرة وسمحت للأم اليمنية بالبقاء مع زوجها في أمريكا بعد وفاة طفلها؛ فهناك الآلاف من الأطفال والأمهات اليمنيات بمصائر معلقة بين المرض والموت في انتظار نهاية حرب لعينة؛ شهد 2018 اتفاقا مبدئيا بين أطرافها؛ على أمل أن يشهد 2019 تنفيذا عمليا له على أرض الواقع.

ولعلها بشائر ذلك في تصريحات لمصادر بالأمم المتحدة ومتحدث باسم جماعة الحوثي أول أمس تؤمد أن قوات الحوثيين اليمنية بدأت في إعادة الانتشار في مدينة الحديدة المطلة على البحر الأحمر بموجب اتفاق للسلام تم التوقيع عليه في السويد برعاية المنظمة الدولية.

واتفق الجانبان، جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران والحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، على وقف لإطلاق النار في الحديدة وسحب قواتهما. ومن المفترض أن يكون انسحاب الحوثيين من موانئ المحافظة الثلاثة، وهي الحديدة والصليف ورأس عيسى، أول خطوة في تنفيذ الاتفاق على أن يتبعها سحب الطرفين قواتهما من المدينة والمنطقة المحيطة.

 

لبنان يبحث

 

لا يمَل لبنان من البحث عن رئيس؛ وما أن يجد مَن يتوافق عليه فرقاء الداخل والخارج.. يبدأ مرحلة البحث عن حكومة نادرة يجري توزيع مقاعدها بالحد الأدنى من التراضي. وفي الحالتين.. ليس هناك مَن ينافس لبنان في صبره على "الإخوة الأعداء"، إذ يودّع اللبنانيون 2018 اليوم بلا حكومة؛ في ظل مفاوضات سرية وعلنية تمتد لأكثر من 8 أشهر؛ وتدفع للتساؤل: إن كان البلد – أي بلد – يُسيّر أموره نسبيا لأكثر من 8 أشهر بلا حكومة؛ فما جدواها أصلا؟!

الواقع أن لبنان يعيش "يوما بيوم" حتى الآن؛ وهو ما لا يمكن تحمله للأبد؛ لذلك نبه وزير المالية اللبناني على حسن خليل أمس بأن الدولة المثقلة بالديون تعاني من أزمة اقتصادية، وحذر من أنها بدأت تتحول إلى أزمة مالية، في ظل صعوبات تشكيل الحكومة الجديدة بعد ثمانية أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية، حيث لم يستطع رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري جمع الأحزاب المتناحرة في لبنان في حكومة وحدة وطنية قادرة على تنفيذ إصلاحات مالية.

ويشهد لبنان ثالث أعلى نسبة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ويعانى من ضعف النمو الاقتصادي منذ سنوات، وقد حثه صندوق النقد الدولي هذا العام على تبني إجراءات عاجلة لإعادة وضع المالية العامة على مسار مستدام، حيث النظام المصرفي هو العمود الفقري لاقتصاد لبنان ويحوز معظم ديون الحكومة.

وسياسيا؛ تتبرأ كل الأطراف من تهمة عرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية؛ إذ قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أمس إن عملية تشكيل الحكومة اللبنانية عادت إلى الصفر بعد الانتخابات العامة، رغم ظهور "بصيص أمل" من فترة لأخرى. وتكمن نقطة الخلاف الرئيسية في المفاوضات في كيفية تلبية المطالب المتعارضة للرئيس ميشال عون، وهو مسيحي ماروني، والتيار الوطني الحر الذي ينتمي له من ناحية وحزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، وهو أيضا ماروني، من ناحية أخرى.

وعلى جانب آخر، يطالب حزب الله بتمثيل عدد من حلفائه النواب عن الطائفة السُنّية في الحكومة، خصما من الحصة الوزارية لتيار المستقبل الممثل السياسي الأكبر للطائفة والذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الحريري، وهو الأمر الذي يلقى رفضا قاطعا ومعارضة شديدة من الحريري مؤكدا أنه لن يسمح به حتى وإن اقتضى الأمر اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة.. وبين هؤلاء وأولئك؛ يفتّش لبنان في العام الجديد عمّن ينقذه من أولئك وهؤلاء!

 

سوريا تتحفّز

 

شهد 2018 عودة أكثر من 37 ألف لاجئ إلى سوريا بحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة؛ مع آمال بأن يشهد العام الجديد عودة أكثر من 250 ألف لاجئ سوري من إجمالي أكثر من 5.6 مليون لاجئ سوري ما زالوا في تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق.

يأتي 2019 ومصائر أكثر من مليون طفل سوري وُلدوا في الخارج لا تزال مُعلقة بما يرد في نشرات الأخبار يوميا. وافقت الحكومة السورية على الاعتراف بشهادات ميلاد "مليون بائس"؛ لكن هل يوافق أطراف الصراع داخليا وخارجيا أخيرا على أن يحيا هؤلاء في محيط ما تبقى من بيوت أسرهم في وطن لم يروه بعد؟

وفي تحول مفاجئ لحسابات أحد أطراف الصراع؛ قررت أمريكا سحب قواتها وقوامها 2000 عسكري من سوريا في تغيير لإحدى ركائز السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط الأمر الذي أثار قلق حلفاء الولايات المتحدة، لكنه بالقطع أسعد باقي المتصارعين على المائدة السورية، فقد صرّح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أول أمس بأن وزراء الخارجية والدفاع من روسيا وتركيا ناقشوا التنسيق بين قوات بلديهما بسوريا في ظل الأوضاع الجديدة بعد الانسحابي الأمريكي.

بحسم يُحسد عليه يقول أمين عوض، المدير بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "الآن، بوجه عام، انتهت الحرب"؛ وبالتزامن أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، وتبحث الهيئة العامة للطيران المدني في الإمارات إمكانية استئناف رحلات شركات الطيران الوطنية إلى العاصمة السورية.. لكن عمليا تبقى الحرب السورية دائرة في نظر ملايين اللاجئين طالما أنهم ليسوا على أرض الوطن بعد؛ آمنين؛ مطمئنين؛ بعد سنوات من التحفّز تجاه الصديق قبل العدو أحيانا.

 

بريطانيا تودّع 

 

ثلاثة أشهر في العام 2019 متبقية على وداع بريطانيا للاتحاد الأوروبي في 29 مارس؛ ورغم ذلك لم تحسن لندن مصيرها بعد؛ في ظل تهاوي اتفاق رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ليفسح المجال أمام سلسلة من الاحتمالات ابتداء من الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق تجاري إلى إلغاء الانسحاب. وكانت ماي قد انسحبت في وقت سابق من تصويت مزمع على اتفاقها بعد اعترافها بأن البرلمان سيرفضها. ومن المتوقع أن يصوت النواب على الاتفاق في الأسبوع الذي يبدأ في 14 يناير المقبل.

المصير المعلق لبريطانيا في 2019 تؤكده تصريحات وزير التجارة البريطاني ليام فوكس وقوله إن هناك فرصة "بنسبة 50%" لاحتمال وقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إذا رفض البرلمان اتفاق الحكومة مع الاتحاد الأوروبي بشأن عملية الانسحاب من الاتحاد الشهر المقبل.

ومن جانبه قال وزير الخارجية جيريمي هانت إن البرلمان قد يوافق على اتفاق رئيسة الوزراء تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي إذا أوضح التكتل أن الوضع الخاص بالحدود الأيرلندية سيكون مؤقتا.. "يمكننا أن نجتاز ذلك".

وفي المقابل؛ قال جيريمي كوربين زعيم حزب العمال المعارض إن محاولة الحزب الدفع من أجل إجراء انتخابات عامة مبكرة سيكون حتميا دون انتظار عام 2022 إذا أخفقت رئيسة الوزراء تيريزا ماي في حشد الدعم في البرلمان لسياساتها الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي.

وعلى الجانب الآخر، قال جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية: "يجري التلميح إلى أن هدفنا إبقاء المملكة المتحدة في الاتحاد بكل السبل الممكنة. هذه ليست نيتنا. كل ما نريده هو وضوح علاقاتنا في المستقبل. كما يجب أن تتوافق بريطانيا على الخطوة التي ستتخذها أولا".

وعمليا تستعد بريطانيا لعام الوداع بإنفاق أكثر من 100 مليون جنيه استرليني (130 مليون دولار) لتسيير المزيد من الناقلات البحرية من أجل تخفيف أي اختناقات قد تحدث إذا ما فشلت المملكة المتحدة في إبرام الاتفاق، كما تشمل الاستعدادات وضع ثلاثة آلاف و500 جندي من القوات المسلحة في وضع الاستعداد للتعامل مع أي اضطرابات.

 

النفط يتلاعب

 

بعد سنوات من التراجع الصادم؛ شهد 2018 تحسنا نسبيا في أسعار النفط؛ حتى صارت متابعة نسب ارتفاع وهبوط سعر برميل النفط يوميا أكثر أهمية من متابعة ارتفاع وانخفاض درجات الحرارة في النشرة الجوية! لكن العام ذاته أبى إلا أن ينتهي بتراجع في أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها في عام ونصف العام؛ بخسائر تزيد على 20 في المئة متأثرة جزئيا بتزايد المعروض. وقد تلاعبت أسعار النفط كالعادة بأعصاب الجميع.. منتجين ومستوردين؛ إذ تراجعت لأكثر من الثلث في ربع السنة الحالي، لأسباب من بينها ارتفاع إنتاج الخام في الولايات المتحدة.

وتتضارب التفسيرات كتضارب المصالح؛ لأنه بطبيعة الحال فإن "مصائب قوم عند قوم فوائد"؛ لذلك قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أمس، إن تنامي الحماية التجارية وحروب التجارة وعدم إمكانية التنبؤ بسياسات الإدارة الأميركية، قد ساهم مساهمة كبيرة في تقلبات أسعار النفط العالمية مؤخرا.

وقال نوفاك «كل أوجه عدم التيقن في السوق الآن: كيف ستتصرف الصين، كيف ستتصرف الهند.. حروب التجارة وعدم إمكانية التنبؤ بالإدارة الأميركية.. تلك هي العوامل المسببة لتقلب السعر. كما أن قرار الولايات المتحدة بالسماح لبعض الدول بتداول النفط الإيراني بعد فرض عقوبات على طهران كان أحد العوامل وراء الاتفاق العالمي المبرم هذا الشهر لخفض إنتاج النفط 1.2 مليون برميل يومياً.

ويبدأ العام الجديد غدا؛ منتظرا وفاء روسيا بوعدها بخفض إنتاجها ما بين ثلاثة وخمسة ملايين طن في النصف الأول من 2019 في إطار اتفاق، بين منظمة البلدان المصدرة للبترول ومنتجين كبار آخرين على خفض الإنتاج بدءا من يناير من أجل دعم أسعار النفط.. فهل يرتفع النفط في 2019؛ أم سيرفع ضغط منتجيه؟

 

 

"الحرب التجارية" تتربّص

 

وإن كان وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك قد أرجع تقلبات أسعار النفط إلى أثر "الحرب التجارية وتنامي الحماية التجارية وعدم إمكانية التنبؤ بسياسات الإدارة الأمريكية"؛ فإن دائرة التأثير تتسع لتشمل ما هو أكثر من أسعار النفط؛ إذ لا تزال نذر الحرب التجارية بين أقوى اقتصادين في العالم تهدد مصالح الجميع؛ وليس الأمريكان والصينيين فحسب.. لذلك تُعقد الآمال على مهلة التسعين يوما التي انتهت إليها المفاوضات الأخيرة بين الرئيسن الأمريكي والصيني لإنهاء أزمة فرض الرسوم الجمركية الحمائية.

ومن تجليات "التسعين" هذه؛ أن تبادل الزعيمان التهاني بالعام الجديد، وغرّد دونالد ترامب على تويتر أول أمس؛ مشيرا إلى أن "اتصالا طويلا وجيدا للغاية" جمعه بنظيره الصيني شي جين بينغ، مبشرا باتفاق محتمل للتجارة بين البلدين يحقق تقدما جيدا.

وفي المقابل؛ قالت وسائل الإعلام الصينية إن شي وترامب تحدثا، ونقلت عن شي قوله إن فريقي عمل من البلدين يعملان على تنفيذ التوافق الذي جرى التوصل إليه مع ترامب. ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن شي قوله أنه يأمل أن يصل الفريقان إلى نقطة اتفاق من أجل التوصل إلى اتفاق مفيد للطرفين في أقرب وقت ممكن.

بقيت الإشارة إلى أن ترامب "المراوغ" استخدم في تغريدته صيغة "الاتفاق... إذا أُبرم"؛ فاتحا الباب لاحتمالات عدم إبرامه حقا أو باطلا؛ لذلك تبقى "الحرب التجارية" تتربص منتظرة انتهاء مهلة الأيام التسعين في 2019؛ لتحسم مصيرها ومصيرنها معها.

 

تعليق عبر الفيس بوك