لحظة قـــرار


أمير علي | العراق
يقف مسترخيا تحت الماء الدافئ النازل من "الدوش" يتأمل بنظرة ضبابية بتأثير بخار الماء المتصاعد، الدوران السريع لزعانف مفرغة الهواء، يتجه نحوها ليطفأها ويكتب تحتها على الزجاج المحيط بها المغطى بالبخار (هذه الحياة) وسهم يتجه نحو مفرغة الهواء ثم يعيد تشغيلها متجها ثانية نحو الدوش يغمض عينيه وينصت للصوت الصادر من دوران الزعانف ويفترض أنه إذا أكمل  العد من واحد إلى عشرة ستكمل مفرغة الهواء دورة واحدة.
سليم الذي يكمل اليوم عامه الثلاثين يريد أن يعيش لحظة يصنعها هو لنفسه وبنفسه، فيختار لحظة الاحتضار بالظروف التي يختارها هو وليست المفروضة عليه يسمع أن شريط الحياة يمر أمام المحتضر، فيحاول أن يستقطع مشاهد معينة من فيلمه الذي لم يعجبه أبدا لأنه يعتقد أن لا دور له حتى في اختيار الكومبارس؛ لكن لا فيلم غير الذي عاشه خلال الثلاثين عاما فهو بذلك مجبور على اختيار المشاهد منه فقط.
يغمض عينيه ويبدأ بالعد، بأكمال الدورة الأولى يتذكر يومه الأول في المدرسة ذاهبا مع أخيه الأكبر منه بسنتين فرحا بحقيبته المتدلية إلى بداية مؤخرته وركضه في أكبر باحة يراها لأول مرة مع عدد كبير من أقرانه، ثم يهز رأسه كأنه يحاول أن يحذف ذلك اليوم لأنه يتذكر صفعة أخيه القوية في نهاية اليوم بسبب نسيانه مكان اللقاء قرب باب صفه بعد نهاية الدوام، يبدأ العد ثانية وتكمل زعانف المروحة دورة أخرى فيتذكر مشهد عراكه الأول مع زميل له في المرحلة المتوسطة حين خطط لبقاء آثار اللكمات على وجه زميله لا لشيء إلا لإثبات الوجود ثم يهز رأسه فيعاود محاولة الحذف بسبب فشل المشهد بهروب الخصم، يبدأ العد ثالثة وتبدأ زعانف المروحة دورة ثالثة فيتذكر  جولته في سرادق عزاء والده حاملا وعاءًا مستديرا  لأكواب الشاي  التي تحوي السكر في قاعها ودموعه تتساقط في الأكواب ثم يهز رأسه فيعاود محاولة الحذف لأنه سمع صوتين متداخلين صرخة العم في وجهه: لا تبكِ ، روح، خذ بثارك، وصوت اهتزاز الصحون مع الأكواب بتأثير ارتجاف يديه، يبدأ العد رابعة وتبدأ زعانف المروحة بدورتها الرابعة يغمض عينيه ليستعيد إحساس أول  تلامس بين شفتيه وشفتي حبيبته يهز رأسه رابعا وبقوه فيتطاير الماء من شعره ليبلل جدران الحمام لأنه تذكر صوره هو وحبيبته التي انتشرت في مواقع التواصل.
يبدأ العد خامسا وتبدأ زعانف المروحة بالدوران ويغمض عينيه فينزل الماء البارد الذي يهز جسمه فيخرج بسرعة من تحت الدوش يذهب باتجاه الزجاج المحيط بالمروحة فيكتشف تلاشي ماكتب.

 

تعليق عبر الفيس بوك