مسندم .. منجم الذهب المهدور

 

مسعود الحمداني

 

مسندم قطعة القلب العماني النابض، جوهرته المنسيّة، وثروته المهدورة، تسقط أحياناً "سهوا" ثم تعود إلى الخارطة، محاصرة بالماء، ومغموسة بالنَّار، خلجان وخيران متناثرة كعقد لؤلؤ نضيد ينظر لها الرائي ويتحسر على ضياع كل هذا الجمال في البحر دون أن يلتفت إليه سوى السياح الأجانب الذين يروون عطش غريزتهم الجمالية بمناظر ساحرة على مد البصر.

هي المرة الأولى التي أزور فيها ولاية خصب حاضرة محافظة مسندم وعاصمتها الإدارية وقصبتها الذهبية، ولعلّي تأخرتُ كثيرًا عن الموعد، ولكن تجربة الزيارة كانت مدهشة، فهذه الجزيرة النائمة على بحرٍ من الجمال والتضاريس المفعمة بالحياة، والمرسومة بدقة متناهية بين الماء والتراب بحاجة إلى كثير من الإعلام، وكثير من الترويج السياحي، وكثير من العمل التنموي، وكثير من الخطط الإستراتيجية لانتشالها من التهميش السياحي الذي صاحبها طيلة عقود.. صحيح أن هناك مشاريع قادمة إلى مسندم تم الإعلان عنها ولكنها هي أيضًا- مثلي- أتت متأخرة جدا، وبطيئة حد الملل.. وحين أقول إنها تأخرت عن التنمية السياحية فأنا أعني ما أقول، فالمواطنون العمانيون يشترون معظم احتياجاتهم من خارج الحدود لعدم توفر مراكز تسويقية كافية في المحافظة، كما إن كثيرا من المواطنين يتوجهون إلى دولة الإمارات لتلقي الخدمات العلاجية والطبية، رغم وجود مستشفى في خصب ولكنه غير كافٍ لتلبية احتياجات المواطنين المتزايدة، إضافة إلى افتقار المحافظة إلى مراكز ترفيهية يقضي الناس فيها أوقاتهم.

من الغريب أن الوصول إلى مسندم العمانية برا يأتي عبر الدخول إلى أراضٍ ومراكز حدودية وأمنية إماراتية، وهي عقبة تقف حجر عثرة أمام انسياب حركة السياحة الداخلية يجب حلّها عاجلاً في الإطار الأخويّ والتنسيق بين البلدين الشقيقين؛ حيث إنَّ تأخر الترويج السياحي لهذه المحافظة يعد هدرا للثروات الطبيعية التي حبا الله بها السلطنة، وهي في ذات الوقت تفريط في الهبات الإلهية، لا أعلم سببه، رغم كل النداءات والخطط التي تناشد وتنشد تطوير المنطقة، ولكن التنفيذ بطيء والزمن لا ينتظر السلاحف، ولا ينظر للمترددين في استغلال ثرواتهم لتنمية شعوبهم، ولكم أن تتخيلوا الفرص الاستثمارية والسياحية والتجارية التي أهدرناها طيلة سنوات وذهبت أدراج الرياح بسبب بطء التنفيذ، وعدم اتخاذ القرار المُناسب في الوقت المناسب.

لقد ذهبت أعوام طويلة ونحن ننظر في الاتجاه الخطأ، والعالم يتقدم ويبني ويستثمر بينما نهمل- بقصد أو دون قصد- ثروات هائلة أمام أعيننا، ونفرّط في المواطن دون أن نعي أن الزمن لا يتوقف، وأن الطيور المهاجرة قد لا تعود إلى أعشاشها أبدًا، لذا فمن المهم أن نلتفت إلى تنمية الأطراف الجغرافية، فهي صمام الأمان للبلاد، فمحاولة تفريغ محافظة مسندم من مواطنيها تجري على قدم وساق، بينما نكتفي- حكومة وشعبا- بردود الأفعال بدلاً من الإمساك بيد المبادرة، والتقدم للأمام عبر إستراتيجيات مخطط لها، ودون تباطؤ أو انتظار، ثم نلوم الآخرين ونؤمن أحياناً بنظرية المؤامرة ونرمي المسؤولية على غيرنا، وأعتقد أنه لو تم استثمار الموقع السياحي والجمالي لمسندم منذ وقت طويل لكانت عوناً للخزينة العامة للدولة ولساهمت بشكل كبير في تحسين أوضاع المواطنين هناك، ولتغيّرت الكثير من الأمور، ولكن...(أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبدا) وهي العبارة التي نحاول أن نهرب بها عن واجباتنا، ونربت فيها على ضمائرنا، ونبرر فيها تأخرنا.

مرة أخرى.. افتحوا آفاق الاستثمار السياحي والتجاري في محافظة مسندم أمام القطاع الخاص وسهّلوا الطريق أمامه لوضع ثقته وأمواله في منجم من ذهب ما زال مهدور الطاقات والاستغلال.. والتفتوا إلى "الأطراف" التي تنسلّ من بين أيدينا دون أن ننتبه، أو لعلنا ننتبه ولا نكترث، أو أننا نكترث وليس لدينا سرعة اتخاذ القرار، وسرعة التنفيذ، لذلك تضيع الفرص تباعًا، ثم نبكي على اللبن المسكوب، ولكن بعد فوات الأوان.